كشفت الاحداث التي تمر بها سورية سلوكاً عنصرياً تكنّه طبقة من اصحاب الرأي والسياسيين اللبنانيين تجاه الشعب السوري، وذلك في سياق الحرب التي يشنّها هؤلاء على الحراك السوري. فقد أجهدت أحزاب وميليشيات 8 آذار نفسها في تشويه الحراك المدني والسلمي السوري، ولم تدع توصيفاً سيئاً إلا واستحضرته لوصف هذا الحراك، بل إن بعض الوجوه من هذه القوى تذهب إلى حد اعلان امتلاكها الوثائق والأدلة الدامغة على «عمالة» الشعب السوري المنتفض وارتباطه بأجندات (مع ملاحظة ان السوريين تجاوزوا حد القرف من كثرة ترداد هذا المصطلح على مسامعهم). ويتيح تفحص خطاب هذه القوى وإستراتيجياته اكتشاف الحمولة العنصرية الكبيرة الكامنة فيه. فبداية لا تعترف هذه القوى بحراك الشعب السوري وترفض «منحه» صفة سياسية، بل لا يعدو الحراك عندها كونه مجرد حالة اضطراب تقودها جماعات مسلحة لغايات مشبوهة. وهذه الرؤية تستبطن أحد تفسيرين: إما أن الشعب السوري لا يستطيع إنتاج حراك سياسي وسلمي نتيجة معطيات مترسخة عنه في ذهنية قوى 8 آذار، ومن المؤكد ان هذه المعطيات من طبيعة اجتماعية واقتصادية، ربما رسختها حالة العمالة السورية الموجودة في لبنان (وهي في غالبيتها جاءت من بيئات ريفية وهامشية، دفعتها ظروف الفساد والتهميش في سورية إلى طلب الرزق في البلد المجاور). لكن ذلك كله لا ينفي بطبيعة الحال صفة الانسانية عن تلك العمالة! والغريب أن بعض وجوه حركة 14 آذار المتهمة بالعنصرية، كمثل سمير قصير، دافعوا باستماتة عن إنسانية هذه الفئات وحقوقها. أما التفسير الثاني، فأن الشعب السوري لا يستحق هذا النمط من التعبير السياسي المتقدم، وبالتالي لا يستحق أن يتمتع بنتائج هذا الحراك المتمثلة حتماً بالحرية والديموقراطية، كأن الديموقراطية تليق بشعوب دون أخرى، من دون تحديد المعايير التي يستطيع من خلالها شعب من الشعوب بلوغ الحرية، أو متى وكيف يستحق هذه الحرية! والغريب ان هذه القوى تعيش في بلد (لبنان) يوفر مناخاً ديموقراطياً، كما يتيح لمختلف القوى والتعبيرات الظهور والتعبير عن نفسها، وقد استفادت هذه القوى من هذا المناخ واستثمرته إلى حدوده القصوى، وصولاً إلى الاستخدام العلني والفاضح لقوة السلاح لإعادة صوغ الوقائع السياسية اللبنانية لمصلحتها، بما يتضمنه ذلك من إسقاط حكومات شرعية، وتوكيد حصرية التفرّد بقرار السلم والحرب. ويجري كل ذلك في ظل رفع هذه القوى شعار المظلومية الاجتماعية والسياسية في مواجهة الشعب اللبناني الآخر «الظالم»! والمؤلم في جوقة الهياج المسعورة الذي تشنّه تلك الفئات على الشعب السوري، ذلك الإصرار الوقح على أن الحراك السوري جزء من مؤامرة كبيرة على «المقاومة»، من دون الالتفات إلى حقيقة أن هذا الشعب الذي يتحدثون عنه يمثل كتلة سكانية تتعدى العشرين مليوناً من البشر، لها عمقها الحضاري وإنجازاتها المعترف بها إقليمياً وعالمياً، شأنها شأن الشعب اللبناني العظيم، في حين أن الكتلة التي تنطق قوى 8 آذار باسمها لا تتجاوز المليون في أحسن الأحوال. فأي صورة عنصرية تلك التي يضمرها هؤلاء في أنفسهم حين يصفون حراك الملايين بأنه جزء من مؤامرة عليهم! فكأن المطلوب من الشعب السوري ان يوقف مسيرة تطوره ونزوعه للحرية والديموقراطية والدولة المدنية إلى حين إنجاز قوى 8 آذار مشروعها المقاوم، فيما لم يعد في مستطاع أحد في المنطقة فهم ماذا ومن يقاوم هؤلاء، بل أية مقاومة تلك، ناهيك عن أن تلك القوى لم تحدد الوقت الذي تحتاجه لإنجاز مشروعها المقاوم كي ينتظر الشعب السوري! إنّ من حسنات الحراك السوري على الساحة اللبنانية، كشفه الوجه العنصري البغيض لطبقة سياسية وإعلامية لبنانية طالما تلطّت خلف أقنعة المقاومة والممانعة، وتمارس الترهيب على بيئتها اللبنانية الى حد وصل فيه الأمر إلى توزيع ألقاب المقاومة ونعوت الخيانة على العالم العربي من محيطه إلى خليجه! * كاتب فلسطيني