لا يمكن أن تسأل، ببساطة، مَن جوِّع لسنين طويلة: «لمَ تترنح في الطابور، هكذا، من أجل شراء فتات الطعام؟». المؤيدون جوعى أيضاً، لكنهم الجوعى المهملون. المتخمون بعد انجذابهم الفطري، إلى قول نعم، حتى في التصويت، على هلاكهم غير المدرك. اشترى السوريون المرغمون، ممن توجهوا أخيراً، إلى السفارة السورية، في لبنان، بقطرات من دماء أصابعهم، خبزاً فاسداً، هو لن يكفيهم لسد جوعهم الفعلي والمعنوي السياسي، في لجوئهم اللبناني. وهناك طبعاً، بين المشاركين في الانتخابات الرئاسية، من لا يؤمن بأن هناك ما يسمى باللاجئ السوري في لبنان، وهم المؤيدون، و «الإنكاريون» للثورة، والأغنياء الذين تفوح منهم روائح السياحة، في الحرب. بعضهم ذهب من دون إدراك، معتبراً في لا وعيه، أنه ذهب لإنقاذ وجوده الشرعي في لبنان. هل ذهب السوري المرغم المسحوق (في الصورة العميقة للفعل)، لينتخب، أم ليجدد إقامته «حبّياً» في لبنان؟ ثم ليجدد جواز سفره، لاحقاً، من السفارة، في حال احتاج إلى ذلك؟ ليس مهماً أن يعدَّ المعارضون، عدد الذين ذهبوا إلى السفارة. فالحقيقة الأكيدة، أن التموضع السوري في لبنان، يخضع لأحكام سياسية قهرية، لا يعاني منها السوري المؤيد الأسودَ، نتيجة تلاشيه كمادة فيزيائية بعد دقه في قالب التأييد الجاهز. ما سيقال عن عدد المصوّتين، من أخبار، هو ضرب من الاحتيال اللفظي. كما أنّ من الجيد، أن يحرم الفلسطيني- السوري قانونياً، من الاقتراع، في كل جداول الانتخابات السورية، رئاسية كانت او سواها، وإلا كان خياره أكثر إرباكاً ووهناً، لا سيما أن الأمن العام اللبناني لا يستقبل حالياً أي لاجئ فلسطيني- سوري، يطالب بتمديد إقامته في بيروت. تجمد التجديد، وروتين المعاملة القانونية، منذ إشكالية ترحيل جمع من الفلسطينيين- السوريين إلى سورية، واللغط الذي حدث بعد إشاعة منع الفلسطيني- السوري، من خدمات النقل المتوافرة، في مطار بيروت، وبالتالي إشاعة منعه من الخروج والدخول، إلى لبنان. كلها إشاعات! المنفذ البحري الوحيد للصرخات السورية، هو بيروت، بيروت الجميلة، التي لا تحتمل كل هذا الشحوب السياسي، في الموقف من اللاجئين السوريين واللاجئين الفلسطينيين- السوريين. إن مُنع السوري من التجول ليلاً، فسيطير فوق الأبنية. لدى السوري قدرة عجيبة على الطيران. والسوري لا يركب السرفيس، السرفيس العنصري، لأنه كابوس؛ وإن صعد إليه مرغماً، يشق السقف ويحلّق خمسة أمتار فوقه، هرباً. لا أحد يرغمه على إكمال الطريق، إلاّ إن كان جالساً في المقعد الخلفي لسيارة الأجرة، ومتوسطاً راكبين مؤيدين. في شارع الحمراء، تمر سيارة، في السابعة مساء، سيارة ينطلق منها صوت سيد يصرخ. المارة يشترون كل ما يلزمهم، من شارع يرتدي الكعب العالي في النهار، كامرأة مسنّة، ويسقط في الليل في هوام الحرية، يترنح من الألم، كأن شارع الحمراء حلبة لصراع النظرات بين من يؤيد ومن يعارض. لا يلام الجائع ولا يتهم في تصرفه الاندفاعي الغريزي، هو مثل قط يأكل فأراً، ليعيش. يضحك القط على محتل البيت الذي جوّعه، محتل سفاح وبخيل يعطيه الفتات، ويأمره بنهش إخوته القطط. في الصورة المتخيلة، تحت مخالب القط، هناك دم متخثر، دم بشري، رائحة الدم مختلطة بفروة القط، الرائحة تجعل أصحاب العقل، يحطمون التلفاز. كرتونياً: يصطدم رأس القط (توم) بالجدار، إنه رأس فارغ بغريزته في ملاحقة الفأر (جيري). فهو لم يحظ بالتهام طعامه، ولا لمرة واحدة. تحولت سلالة أخرى من القطط، عبر عقود الطغيان، إلى ما يشبه الهر المسخ المفترس، يُسقط بعد كل جريمة دموعاً بيولوجية، معتقداً أنه يجتاز الضحية في عذابها، ليصبح فأراً ضعيفاً متباكياً، يأكل بقية القطط التي تعذبه. القط المؤيد، الأب، تحول، إلى قاتل أو شبّيح أو سكين. اختار من ذهب مرغماً إلى السفارة، البقاء مع وثائق وأختام غير مزورة، في ذراتها الدقيقة وبروتوناتها الموجبة الشحنة، أختام ممهورة من الحاكم بالأمر. القاتل يمتلك السلطة في الغابة، والسلطة تعطي صلاحية المواطنة، كما يشاء مزاجها. إما أن تمنح الصلاحية أو ألاّ تفعل، إن خالف المواطن فروض الصلوات. نحن بحاجة إلى شعراء جديين يحكمون هذا البلد. شاعر واحد يكفي. المواطنة فعلٌ تخيلي، لا تحتاج إلى وثائق. المواطن السوري ليس «قطرميزاً» للبازلاء، تنتهي صلاحية ما فيه، في 20 آب (أغسطس) 2014، على سبيل الهرج. يسخر من ذهب إلى السفارة في لا وعيه، من النظام الذي يسخر من دول العالم أجمع. يدفع المؤيد صوته قانعاً، ليأخذ صلاحيات آنية متنوعة، منها: الدخول إلى دمشق الإدارية أو الأحياء الموالية للنظام السوري في حمص أو مناطق حمص المدمرة، عله يجد بيتاً فارغاً تركه سكانه الأصليون. هو يعود إلى بيته السوري وقت يشاء. يدفع الناخب المرغم صوته، ليبقى لاجئاً في لبنان، دونما مشاكل. ولا يعود إلى بيته المقصوف. ومثلما يحلل فرويد التناقض في طريقة مواجهة النوازع البشرية المضطربة، تجاه الموت والقتل الجاري في الحروب، في مقاله «تأملات راهنة في الحرب والموت»، فإن رد الفعل على احتمال موت الخصم، مختلف عن الرغبة في قتله، يقول: «كان البعض يجد موت الآخر أمراً جيداً، ووسيلة للقضاء على الخصم من دون الشعور بتأنيب الضمير. أما القاتل فهو إنسان انفعالي وشرس ومؤذٍ أكثر من سائر الحيوانات الأخرى. والقتل بالنسبة اليه أمر سهل. وهذا لا يعطينا الحق بأن نسبغ عليه صفة الغريزة التي تمنع حيوانات كثيرة من قتل أفراد من جنسها والتهامها».