يضع كل فلسطيني حر يده على قلبه خوفاً من انتكاس المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية بين حركتي «فتح» و «حماس»، ويبتهل كل عربي حر إلى الله عز وجل أن تنجح هذه الجهود المباركة وتتواصل خطواتها العملية والجدية وصولاً إلى إعادة توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة وتوجيه كل الاهتمام لحشد الطاقات ومواجهة العدو المشترك وإحباط مؤامراته الخبيثة القائمة على سياسة فرق تسد والعمل على تفتيت الأراضي الفلسطينية المحتلة ومعها القضية الأم تمهيداً لتهويدها بعد قضمها قطعة قطعة وضمها مدينة مدينة وبلدة بلدة وزنقة زنقة! فقد وضعت هذه المصالحة جميع الأطراف المعنيين أمام واقع جديد وحملت بشرى سارة لكل إنسان من خلال المفاجأة الكبرى التي ولدت من رحم مصر العربية الأبية فقلبت المعادلات وأعادت كيد الأعداء إلى نحورهم ورسمت خريطة طريق للعمل الفلسطيني المستقبلي من أجل إعادة اللحمة وتوحيد الصفوف ورأب الصدع، ووضعت اللبنة الأولى لبناء الأساس القوي والمتين للدولة الفلسطينية المستقلة. إنها خطوة مباركة في رحلة الألف ميل الفلسطينية والعربية بعد مأساة أدمت قلوبنا وكادت تخيب أمالنا وتدفعنا إلى اليأس من مرحلة الشقاق والنفاق والتشرذم والعداء والأحقاد والكراهية بين أبناء الشعب الواحد والدم النازف بفعل الاعتداءات الإسرائلية المتكررة، ثم من ظلم ذوي القربى الأشد مضاضة وألماً. مرحلة دامت 4 سنوات فتحت خلالها «بازارات» الدعوة للتقسيم وإقامة الدويلات وتكريس الانفصال وتيئيس الشعب الفلسطيني بأن العودة إلى الوحدة أمر مستحيل، وأن مجرد الحلم بالمصالحة لن يتحول إلى واقع بعد نقض «صلح مكة» الذي تم التوصل إليه بجهود سعودية مباركة، وفشل مختلف المحاولات المصرية المتواصلة والجادة لإتمام المصالحة والتوقيع على وثيقة الوحدة بسبب التعنت والعناد تارة ونتيجة الضغوط الخارجية والإقليمية والصهيونية تارة أخرى. وما زلنا نخشى على هذه المصالحة من المؤامرات الصهيونية المرتقبة والضغوط المنتظرة والمحاولات المستميتة لنسف الاتفاق، لكن علينا أن نتفاءل بالخير حتى نجده يتحقق ويؤمن للشعب الفلسطيني الأمن والأمان والاطمئنان على حاضره وغده ومستقبل أجياله الصاعدة والإيمان بأن حلم الدولة المستقلة سيتحول إلى واقع وحقيقة أكيدة وأن العدو الصهيوني لن يتمكن من محو هوية الفلسطيني مهما حاول، ولن ينجح في منع قيام الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف ومعها جميع الحقوق المشروعة. فبعد إتمام المصالحة في القاهرة بات من الواضح أن سباقاً مع الزمن يجري بين التفاؤل والتشاؤم، وبين الإسراع والتباطؤ، وبين تبادل الخطوات الضرورية والمطلوبة وبين التلكؤ، وبين التسهيل والتعقيد وبين تمهيد الطرق الكفيلة بتحقيق النجاح وزرع الألغام والعراقيل أمامها. ومن هنا فإن سناريوات ما بعد المصالحة كثيرة ومتعددة ومتشابكة منها ما هو متفائل يرسم صورة زهرية ناصعة للمستقبل، ومنها ما هو متشائم يتصور غيوماً سوداً داكنة تنسف الاتفاق وتمنع إتمام هذه الجهود المباركة. فبالنسبة إلى السيناريوات المتفائلة تطفو على السطح التوقعات الآتية: * عودة الروح لدور مصر العربي، والفلسطيني في شكل خاص بعد الثورة بدعم عربي كامل، وحصولها على تفويض للمتابعة والإشراف ونزع الألغام وحل الخلافات المتوقعة عند تنفيذ أي بند من البنود نظراً إلى تعقيداتها ودقتها وحساسية بعضها. * إنهاء حصار غزة الظالم وإعادة فتح معبر رفح في شكل دائم بعد حل إشكاليات الرقابة على الحدود بالعودة إلى معادلة التعاون بين السلطة الفلسطينية والاتحاد الأوروبي الذي كان قد سحب مراقبيه بعد انقلاب غزة. * تجنيب قطاع غزة عدواناً إسرائيلياً جديداً كانت كل الدلائل تشير إلى أنه واقع لا محالة بعد أن مهد له العدو بسلسلة غارات واستفزازات وعمليات تحريض وحشد بزعم إطلاق صواريخ على بلدات إسرائيلية. * حل المشاكل الداخلية وإزالة أسباب الخلاف وعمليات الثأر والانتقام وإطلاق المعتقلين ومحاولة إدخال جميع الفصائل والمنظمات تحت مظلة التفاهم لا سيما ما نشأ منها بعد الأحداث، أي المنظمات والحركات الأصولية والسلفية، إضافة إلى حركة الجهاد الإسلامي التي كانت قد رفضت في السابق قرار التهدئة ووقف إطلاق الصواريخ. * إعادة هيئات السلطة بعد إتمام جميع جوانب المصالحة على أرض الواقع وبين أبناء الفريق الواحد تمهيداً لتشكيل حكومة وحدة وطنية للمرحلة الانتقالية تشرف على الانتخابات البرلمانية والمحلية والرئاسية. * إزالة جميع آثار أحداث السنوات الماضية والعودة إلى الشرعية وبناء مؤسسات السلطة الوطنية من القمة إلى القاعدة. * إسترداد القضية الفلسطينية، ولا سيما حركة حماس وقطاع غزة من التدخلات الخارجية والابتزاز الإسرائيلي والاستغلال الإقليمي وإعادتها إلى الحضن العربي والمظلة الفلسطينية الشرعية الواحدة الموحدة. * إكمال الاستعدادات لإعلان الدولة الفلسطينية المستقلة بعد إتمام الخطوات الدستورية الشرعية مهما كان الثمن، بخاصةً أن دولاً كثيرة أعلنت اعترافها بالدولة، كما أن دول الاتحاد الأوروبي أبدت استعداداً للاعتراف بها. * تكثيف الجهود العربية والإسلامية لتحريك مبادرة السلام العربية وجهود السلام الدولية بعد أن أعلنت حركة «حماس» في شكل واضح دعمها لقيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود 5 حزيران (يونيو) 1967 ما يعني ضمناً اعترافها بقرارات الشرعية الدولية ولا سيما القرار 242 واتفاقات أوسلو والتزامات السلطة مما يعفيها من الرضوخ للمطالب الأميركية والضغوط الإسرائيلية من أجل حملها على الاعتراف بإسرائيل في شكل صريح ومباشر. * التمهيد لنجاح مثل هذه الجهود بتأمين الخطوات اللازمة لإطلاق سراح الأسير الإسرائيلي غلعاد شاليت ما يحدث ردود فعل إيجابية شاملة داخل إسرائيل وخارجها ويسحب من يد حكومة بنيامين نتانياهو الليكودية المتطرفة وشركائها العنصريين أية ذريعة للعدوان وبث الأحقاد بخاصة أن النية متجهة للمضي في سياسة التهدئة على الحدود ومنع إطلاق الصواريخ من الأراضي الفلسطينية. هذه السيناريوات المتفائلة تقابلها سيناريوات متشائمة تحذر من المؤامرات المبيتة لنسف المصالحة وزرع الفتن بين أبناء الوطن والقضية والأرض والهوية والدم أوجزها بالنقاط الآتية: * رهان إسرائيل وبعض القوى المغرضة على إفشال المصالحة وعودة الصراع بين «فتح» و «حماس» وإشاعة أجواء الفوضى في صفوف الشعب الفلسطيني. * التحريض على الفتنة والقيام بأعمال استفزازية وربما ارتكاب جرائم تفجير واغتيال من أجل الإيقاع بين الحركتين والوصول إلى الأهداف الصهيونية الخبيثة. * إشاعة أجواء تروج لاحتمال سيطرة «حماس» على الضفة الغربية وتوجيه ضربة قاضية لحركة «فتح». أو الزعم بأن نتائج الانتخابات العامة والرئاسية ستحسم لمصلحة هذا الفريق أو ذاك وبالتالي عزل الفريق الآخر، والزعم أكثر بأن هذه النتائج ستأتي لمصلحة «حماس». * استغلال إسرائيل الفرصة في المرحلة الانتقالية لشن عدوان شامل على قطاع غزة واحتلال أجزاء منه لعرقلة تنفيذ الاتفاق باستغلال أية ذريعة أو حجة كعادتها في تبرير اعتداءاتها. * عدم استبعاد قيام إسرائيل باستغلال ذرائع أخرى مثل أعمال تفجير أو اغتيال لإعادة احتلال الضفة الغربية بالكامل وضرب كل مؤسسات السلطة الوطنية وتعزيز تقسيم الوطن الفلسطيني. * أما السيناريو الأخطر والأسوأ فيتحدث عن تنفيذ خطة صهيونية خبيثة ترمي إلى التحرش بمصر واستفزاز النظام الانتقالي الهش لاستغلال أي قرار أو إجراء أو تصريح لإعادة احتلال سيناء كما جرى في عدوان 5 حزيران 1967 عندما استغلت إسرائيل طلب مصر سحب القوات الدولية من مضائق تيران لتنفذ مؤامراتها الجهنمية ومحاصرة قطاع غزة من جميع الجهات. وقد يبدو هذا السيناريو خيالياً ومستبعداً ولكن من يعرف نوايا إسرائيل يدرك جيداً مدى خبثها وحقدها، بل يمكن التأكيد بأنها تملك خطة جاهزة لهذا الغرض منذ اليوم الأول للتوقيع على معاهدة السلام. لهذا لا بد من الحيطة والحذر من قبل الفصائل الفلسطينية أولاً، ومن قبل مصر والدول العربية ثانياً، ولا بد من المضي في تنفيذ اتفاق المصالحة حتى آخر بند من بنوده متزامناً مع قيام تحرك عربي جدي وحاسم من أجل تأمين الغطاء الواقي للاتفاق ومن ثم الحض على المسارعة إلى تحريك جهود السلام الشامل وإقناع الولاياتالمتحدة والقوى العظمى بأهميته بخاصة بعد القضاء على زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن حتى لا تتكرر الأخطاء وينجح من يستغل قميص القضية الفلسطينية والانحياز الدولي لإسرائيل في تحقيق أهدافه وإعادة بناء قواعد لأعمال العنف والإرهاب وتهديد الأمن الدولي. فمن مصلحة الجميع الإسراع بتحقيق السلام وإرغام إسرائيل على الانسحاب من الأراضي المحتلة، وإلا فالخطر قادم وداهم. * كاتب عربي