مساء اليوم يختتم مهرجان كان السينمائي دورته الرابعة والستين. ويبدأ مسؤولوه باستعداداتهم للدورة المقبلة بعد عام، فيما يبدأ المعنيون الآخرون برسم صورة ما - وإن أولية - لجردة حساب هذا العام. وإذا كانت هذه الدورة قد تميزت بطغيان السياسة، أفلاماً وأحداثاً ومواقف، فإنها تميزت أيضاً بما هو لافت حقاً، في هذا المجال: الانفصال التام بين ما هو سياسي وما هو سينما كبيرة، حيث لمرة لم تتطابق السينما الكبيرة هذه مع الهموم السياسية... إلا من خارج السينما نفسها، أي «فضيحة» لارس فون تراير، والاحتفال بثورات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وطغيان الهمّ السياسي الفرنسي على أفلام عدة أقل ما يمكن ان يقال فيها انها لم تثر اهتماماً سينمائياً حقيقياً. غير ان هذا كله يمكن تأجيل الحديث عنه الى ما بعد ظهور النتائج. فاليوم تصل التكهنات الى ذروتها، ولاسيما بعدما شهد اليومان الأخيران للمهرجان إضافة ما لا يقل عن ثلاثة أفلام الى لائحة الترجيحات التي سادت في الأيام الأخيرة. وكل من هذه الأفلام يشكل تحفة على طريقته، ولاسيما فيلم التركي نوري بلغي جيلان «كان يا ما كان في الأناضول». هذا العمل الذي يخرج فيه صاحب «ثلاثة قرود» عن أجوائه المعهودة، مرة أخرى، ليقدم عملاً سينمائياً كبيراً، قد لا يضيره ان نقول انه يكاد يبدو مأخوذاً من رواية توفيق الحكيم «يوميات نائب في الأرياف». ويقيناً ان هذا الفيلم سيشكل محور كلام لاحق ومتزايد، كما حال فيلم «لا بد ان هذا هو المكان» للإيطالي بول سورنتينو الذي يقدم شون بين في دور يستحق عنه جائزة التمثيل، دور مغني روك غرُب مجده وها هو اليوم يبحث عن النازي مضطهد أبيه كي ينتقم منه. والآن، إذا أضفنا فيلم «درايف»، الذي يمكن اعتباره، من جانب ما، تطويراً معاصراً، عنيفاً جداً لتحفة مارتن سكورسيزي القديمة «سائق التاكسي»، سنجدنا أمام لائحة من أفلام يتوقع ان توزع الجوائز الأساسية بينها، تضم، وهذا عدد نادر في مهرجان كان، نحو دزينة من الأفلام. ومن هنا تُطرح هذه المرة وبشكل أكثر جدية من ذي قبل صعوبة الوصول الى أي توقع عملي. ومهما يكن.. وإذا كان لا بد من إبداء ما يشبه التفضيل الشخصي في هذا السياق والتمني، من دون ان يعني هذا أي «تنبؤ»- طالما اننا نعرف ان ذوق لجان التحكيم لا يتطابق عادة مع أذواق النقاد، يمكن ذكر أفلام مثل «شجرة الحياة» لمالك و»ميلانكوليا» لفون تراير، على رغم طرده من المهرجان وربما أيضاً بسبب طرده، و»الفنان» للفرنسي ميشال هازانافيتوس، وفيلم التركي جيلان وبول سورنتينو، إذا أحبت اللجنة ان تنصف أفلاماً ينطبق عليها مقاييس سينمائية إبداعية حقيقية. كما يمكن التحدث عن أفلام مثل «الصبي على الدراجة» أو «الهافر» او حتى «بوليس»، إذا اختارت لجنة روبرت دي نيرو، أن تنحو نحو نزعات البرّ والإحسان وسينما التعاطف البشري المسيحية... أو حتى، أيضاً، فيلم المودوفار الجديد إن شاءت ألا تغضبه! في اختصار هكذا هي الصورة كما تبدو... ومع هذا لن يغامر أحد بوضع لائحة مسبقة بما يمكن ان تكون عليه هذه الصورة. ففي مهرجان كان عادة، وكما في المهرجانات الكبيرة، من النادر ان ينطبق حساب الحقل على حساب البيدر في لعبة الختام. ولكن هل حقاً يهمّ هذا كثيراً، في مجال تقويم دورة من مهرجان كان تبدو، في أفلامها على الأقل، مميزة عن الكثير من الدورات الأخيرة. دورة يمكن ان نقول عن سينماها انها، بسياسة او من دون سياسة، أتت صورة حقيقية لعالم اليوم بغثه وسمينه، بمخاوفه وواقعه وأفراحه وشجونه؟