إذا كنت ممن يتمتّعون بالصبر، بإمكانك الانتظار قليلاً كي ترى تحقق حلم الذكاء الاصطناعي الكامل، بمعنى أن يكون متمتعاً بمواصفات الذكاء البشري كلها، مضافاً إليها القدرات الخاصة للحوسبة الإلكترونيّة. قليلاً؟ ربما قرابة قرن! هناك مشروع تنهض به شركة «مايكروسوفت» العملاقة اسمه «دراسة لمئة عام عن الذكاء الاصطناعي» (اختصاراً «أي آي 100» AI 100)، ويقوده الخبير المعلوماتي إريك هوروفيتش. ليس خيالاً، بل انطلق عام 2015، بدعم من «جامعة ستانفورد» الأميركيّة. ويرمي المشروع إلى التعرّف إلى تأثير الذكاء الاصطناعي في جوانب الحياة كلّها، بداية من الأمن القومي ووصولاً إلى علم النفس العام ومعطيات الخصوصيّة الفرديّة. يرى هورفيتش أنّه «من الجميل حقاً امتلاك منصّة تتمتع برؤية طويلة الأمد للمستقبل، مع ذاكرة واسعة من الدراسات الحديثة. وبالنسبة لفهم العلاقة بين ذكاء الآلة ومعطيات الخصوصيّة الفرديّة، فإننا نشهد علماً يستخدم بيانات غير مضرّة كسجّلات بحوث الأفراد على «غوغل» وتغريداتهم في موقع «تويتر»، بهدف توقّع إمكان أن يكون أحدهم معرّضاً بنسبة عالية لخطر الإصابة بأمراض محددة». ويضيف: «يتمثّل هدف «أي آي 100» في إرساء نظام لعمل لجنة دائمة وأساسيّة، تتولى عملاً ضخماً يتمثّل بالنشر الذاتي لما تتوصّل إليه فرق البحّاثة على مدار المئة سنة المقبلة. يمكنكم أن تتخيّلوا كيف ربما تتحوّل أسئلة محدّدة إلى مؤشرات قوية خلال عقود مختلفة. مثلاً، يحتمل أن تعطى أهمية للمسائل الأخلاقيّة المتعلقّة بأتمتة القرارات الرئيسيّة العالية الأخطار، خصوصاً مع تدفق سيّارات روبوتيّة على الطرقات، واستخدام أنظمة عسكريّة مؤتمتة في شكلٍ أكبر في الحروب. أعتقد أنه من المشوّق الاطلاع على المسائل التي عالجتها فرق سابقة (وتنبّأت بها)، والخلاصات التي توصّلت إليها، وطُرُق تسيير أمورها. ربما تبدو فترة مئة عام طويلة، لكن أموراً كثيرة يمكن أن تحدث خلال مئة عام من التكنولوجيا. يشبه الأمر مراقبة كيف تسبّبت شبكات الكهرباء في تغيير العالم منذ عام 1900». قلق مبرر لكنه ليس عائقاً في السياق عينه، تحدّث هورفيتش عن قدرة «أي آي 100» على تخطّي البحوث التي سبقته في ذلك المضمار. وقال: «أعتقد أن مشروع «مايكروسوفت» يحمل منحى رياديّاً. إذ لن يقتصر على دراسة الظواهر والكتابة عنها، بل سوف يسعى إلى أداء دور المستشرف للمستقبل، مع تقديم توجيهات إلى الوكالات الحكوميّة، إضافة إلى تمويل مؤسسات أكاديميّة وبحثيّة متنوّعة. وبقول آخر، يتولى المشروع تغطية تكاليف تقنيات الذكاء الاصطناعي، كما يوفّر فرصاً لظهورها وانتشارها. ثمة مثل يأتي من مجال الرعاية الصحيّة. هناك جهود لصنع نُظُم مؤتمتة ذكيّة ربما تكون مهمةً للغاية من أجل تعزيز تقديم الرعاية الصحية مع خفض تكلفتها أيضاً. وهنالك بطء شديد في ترجمة تلك التحسنيات إلى العالم الفعلي. يمكنكم تصوّر أن دراسة كاملة حول ذلك الموضوع من شأنها توفير توصيات وتوجيهات إلى «معاهد الصحة الوطنيّة» و «مؤسسة العلوم الوطنيّة» في أميركا. يمكنكم أيضاً تخيّل أنه بمقدور اللجان الحكومية الاتصال للقول: «مرحباً! نحتاج إلى دراسة عاجلة حول موضوع معين، بسبب ملاحظات تراكمت لدينا أخيراً». من شأن ذلك أن يشكل فرصة الحصول على أفكار حول مسائل مهمة حين يتعلّق الأمر بذكاء الآلات». وشرح هورفيتش أيضاً رؤيته لطرق تفاعل الرأي العام مع بحوث «مايكروسوفت» المستقبليّة عن الذكاء الاصطناعي، خصوصاً عندما تنشر على نطاق واسع. وقال: «ليس من الواضح حتى الآن ما هي المواقف العامة. ولكنني أعتقد أن عدداً من الأشخاص يستمتعون بنتائج بعض الأنظمة الرقميّة الذكيّة، على غرار محركات البحث في الإنترنت، من دون التنبّه إلى أنها تقنيّات تتصل بالذكاء الاصطناعي. كما أننا رأينا أخيراً علماء بارزين يتحدثون في وسائل الإعلام عن تهديد الذكاء الاصطناعي للبشرية في يومٍ من الأيام، كعالِم الفيزياء الشهير ستيفن هوكينغ، وآلون موسك، صاحب شركتي «تسلا موتورز» لصنع السيارات الكهربائيّة و «سبايس إكس» لصنع صواريخ فضائيّة متطوّرة. ويعتقد معظم الباحثين أن ما يثار من مخاوف حول آفاق الذكاء الاصطناعي لا أساس لها. غير أننا لا نزال نحتاج إلى معالجتها، والتأكد من أن الناس يفهمون أن ثمة أشياء عمليّة يمكن القيام بها لضمان سير الأمور على ما يرام، أثناء إعداد تقنيّات تستند إلى ذلك الذكاء». وأضاف هورفيتش: «يتعيّن علينا، كعلماء، السعي إلى تبديد المخاوف المتعلقة بأمن أنظمة الذكاء الاصطناعي واستقلاليتها، وفهم كيفية تجنب أو دحض الرؤى البائسة حول المستقبل، عبر طرح أسئلة علميّة ممنهجة. ونسأل عمّا إذا كان ذلك النوع من النتائج التي يخشى الناس التوصل إليه، هو ممكن الحصول فعليّاً؟ في حال كان الأمر كذلك، فكيف يمكننا تدارك الأمور»؟