خلال زيارته الدولة العبرية أمس، تجاهل نائب الرئيس الأميركي مايك بنس المعارضة الدولية الواسعة لقرار الاعتراف الأميركي بالقدس «عاصمة لإسرائيل»، وأعلن أن السفارة الأميركية ستُنقل إلى المدينة بحلول نهاية عام 2019، في وقت اصطدمت دعوة الرئيس محمود عباس الاتحاد الأوروبي إلى الاعتراف بدولة فلسطين بتوافق أوروبي على تأجيل الاستجابة لهذا الطلب. ولاقى بنس في إسرائيل ترحيباً حاراً «تقديراً لدوره في اتخاذ القرار التاريخي في شأن القدس» الذي اعتبره رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو واحداً من أهم أربعة قرارات دولية تخص الشعب اليهودي، وقال: «نصبو إلى سلام قابل للعيش للجميع... وأساسه الاعتراف بدولة إسرائيل»، مكرراً أن «لا بديل عن دور الولاياتالمتحدة في عملية السلام». وأبدى بنس التزاماً صريحاً بنقل السفارة الأميركية إلى القدس قبل حلول نهاية العام المقبل، وقال خلال لقائه نتانياهو: «إنه لشرف كبير لي أن أكون في عاصمة إسرائيل، القدس»، معتبراً أن القرار الأميركي في هذا الصدد «من شأنه أن يساعد في تعجيل مفاوضات السلام». وما أن همّ بنس بإلقاء كلمته في الكنيست، حتى استقبله نواب القائمة العربية المشتركة بلافتات كُتب عليها «القدسالشرقية عاصمة فلسطين» مع صورتين للمسجد الأقصى وكنيسة القيامة، قبل أن يغادروا القاعة احتجاجاً على الاعتراف الأميركي. وحض بنس في كلمته القيادة الفلسطينية على العودة إلى طاولة المفاوضات، مضيفاً أن الولاياتالمتحدة ستبقى ملتزمة تحقيق السلام النهائي بين إسرائيل والفلسطينيين، وستدعم حل الدولتين إن رغب فيه الطرفان. ولم يكتفِ الفلسطينيون بمقاطعة زيارة بنس، بل أعلنوا إضراباً شاملاً وتظاهروا في نابلس وبيت لحم وأحرقوا صوره. وانتقد أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات خطاب بنس، ووصفه ب»التبشيري» الذي يمثل «هدية للمتطرفين... ويثبت أن الإدارة الأميركية جزء من المشكلة بدلاً من الحل». في غضون ذلك، دعا عباس خلال اجتماع مع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسيل أمس، إلى «الاعتراف بالدولة الفلسطينية»، مؤكداً في كلمة ألقاها إلى جانب مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد فيديريكا موغيريني، أن «الاعتراف بالدولة يشجع الشعب الفلسطيني على الحفاظ على ثقافة السلام». وفي الوقت ذاته، شدد على تمسك السلطة بخيار المفاوضات من أجل الوصول إلى حل الدولتين، كما جدد «التزامه الاتفاقات المبرمة مع إسرائيل ومطالبتها الوفاء بالتزاماتها بمقتضى الاتفاقات ذاتها». واستجاب عباس للمساعي الأوروبية بتفادي الخطاب المتوتر إزاء الإدارة الأميركية، لكنه ألحّ على أهمية الدور السياسي الذي يضطلع به الاتحاد الأوروبي في جهود التسوية، وقال: «هناك مشاركة أوروبا سياسياً، والتي نطالب دائماً بأن تكون موجودة من أجل المساهمة في إيجاد حل عادل لقضية الشرق الأوسط». وأكدت موغيريني لعباس ثبات الموقف الأوروبي و «التزامه بحزم حل الدولتين، وأن تكون القدس عاصمة مشتركة» استناداً إلى اتفاقات أوسلو والتفاهمات الدولية الواردة في القرارات ذات الصلة. لكنّ كلمتها لم تتضمن «أي استجابة لطلب عباس الاعتراف بالدولة الفلسطينية». في هذا الصدد، تحدثت مصادر ديبلوماسية عن «توافق أوروبي» في شأن عدم الاستجابة لطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية الآن، لأن الخطوة قد تزيد تأزيم الوضع، وقد تبدو بمثابة رد فعل على قرار الرئيس دونالد ترامب في شأن القدس. ودعا وزير خارجية ليتوانيا ليناس لينكيفيشيوس إلى «تفادي الخطوات الأحادية والتمسك بمبدأ الحل الذي ينجم عن مفاوضات الوضع النهائي»، وقال ل «الحياة» إن «المواقف الأوروبية المعلنة تظل ثابتة من دون تغيير، بما فيها مسألة الاعتراف». ورأى أن أميركا «ستظل في الأمد البعيد اللاعب الأساسي. ومن دونها لا يمكن تصور مستقبل عملية السلام»، مشدداً على «وجوب الحفاظ على الصيغة المتفق عليها، والبحث عن وسائل دعم مفاوضات الوضع النهائي عبر الحوار والمفاوضات المباشرة». وعقب الاجتماعات، أكد عباس في رد على سؤال ل «الحياة» أن «الاعتراف بالدولة الفلسطينية لا يشكل أي عقبة أمام المفاوضات بل حافزاً لدفعها»، مشدداً على أن الجانب الفلسطيني «كان دوماً مستعداً للمفاوضات»، لكن المهم «على أي أساس ووفق أي مرجعية». وجدد تمسكه بمسيرة السلام من أجل التوصل إلى حل الدولتين على أساس قرارات الشرعية الدولية، مشدداً على أن «القدسالشرقية عاصمتنا، ولن نتخلى عنها أبداً». إلى ذلك، علمت «الحياة» أن دعوة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى الارتقاء بالعلاقات مع الفلسطينيين من «الاتفاقية الانتقالية إلى اتفاقية الشراكة، وأن يتم منذ الآن إطلاق المسار في هذا الاتجاه»، اصطدمت بتحفظات عدد من دول الاتحاد، من دون أن يعني ذلك عدم إمكان إجراء محادثات استكشافية مستقبلاً في انتظار قيام الدولة الفلسطينية والاعتراف بها.