كيف يمكن فهم توجّه أميركا في المستقبل من خلال اختيار الرئيس باراك أوباما مستشاريه الأمنيين؟ لقد نقلت وسائل الإعلام على نطاق واسع خبر قيام الرئيس بإعادة هيكلة فريق عمله معزّزاً بذلك موقعه على أنه الحكم النهائي في سياسة أميركا الخارجية والأمنية. تلقّت سلطة أوباما دفعاً قوياً نتيجة مقتل زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن الذي يعدّ عدوّ أميركا الأوّل. وكرّست هذه العملية الناجحة الرئيس بنظر الرأي العام الأميركي على أنه القائد الأعلى الأبرز. ومن المتوقّع أن تتعزّز مكانته أكثر بعد إعادة توزيع المناصب على مستشاريه. تميّزت ولاية أوباما الأولى بقدرته على مواجهة التحديات الهائلة التي اعترضته. فقد واجه أزمة مالية لا مثيل لها في الأزمنة الحديثة فيما ازداد العجز واستمرت البطالة وأصيب بخيبة أمل بسبب خسارة حزبه الديموقراطي في الانتخابات النصفية إلى جانب عدد كبير من المشاكل الأخرى. لكن يبدو أنه بدأ حالياً يستعيد الثقة بنفسه من جديد. وفي ظلّ غياب أيّ منافس جمهوري له، على الأقلّ في الوقت الحالي، يبدو أوباما في موقع مناسب يسمح له بالفوز بولاية رئاسية ثانية خلال الانتخابات المزمع إجراؤها في السنة المقبلة. فقد بدأ حملته الانتخابية وقد أشارت استطلاعات الرأي إلى ارتفاع نسبة شعبيته. سيتقاعد قريباً وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس (68 سنة) الذي يعتبر رجلاً محنّكاً بارزاً في مسألتي الدفاع والاستخبارات. ومنذ تمّ تعيينه في منصبه عام 2006 ليحلّ مكان وزير الدفاع في عهد جورج بوش الابن دونالد رامسفيلد، كان غيتس يتصرّف كما يحلو له. بقي على مدى 26 سنة مديراً لمجلس الأمن القومي ووكالة الاستخبارات الأميركية في عهد الرئيس جورج بوش الأب. ويُقال إنّ رحيله سيعطي أوباما حرية أكبر لا سيّما على صعيد معالجة مسألة خلافية مرتبطة بتقليص حجم موازنة وزارة الدفاع الهائلة. وسيحلّ ليون بانيتا (73 سنة) الذي يشغل منصب مدير وكالة الاستخبارات الأميركية منذ عام 2009 مكان وزير الدفاع غيتس. ويعتبر بانيتا، وهو ابن مهاجرين إيطاليين كانا يملكان مطعماً، سياسياً ديموقراطياً ومحامياً وأستاذاً. عُيّن رئيساً للأركان في البيت الأبيض في عهد بيل كلينتون من عام 1994 لغاية عام 1997. وأشارت أوساط مقرّبة من واشنطن إلى أنه سيكون وفياً لأوباما في عمله ولن يسعى إلى تحدّي خيارات الرئيس السياسية. وفي إطار لعبة إعادة توزيع المناصب التي تبدو قائمة حالياً، سيحلّ الجنرال ديفيد بترايوس (59 سنة) الذي يشغل منصب قائد قوة المساعدة الأمنية الدولية في أفغانستان (إيساف) التي تضمّ 140 ألف عنصر، مكان مدير وكالة الاستخبارات الأميركية بانيتا. قبل أن يهتمّ بترايوس بقيادة القتال ضد حركة «طالبان»، كان رئيساً للقيادة المركزية الوسطى من عام 2008 لغاية 2010 وقبل ذلك قائداً عاماً للقوة المتعددة الجنسيات في العراق بين عام 2007 وعام 2008، حيث نجحت زيادة عديد هذه القوات في تحويل مسار الأمور ضد المتمردين. ويُعتبر بترايوس الحائز على دكتوراه في الشؤون الدولية من جامعة برينستون أحد الضباط الأكثر فطنة في الجيش الأميركي. واعتقد البعض أن بترايوس يملك طموح الوصول إلى سدّة الرئاسة، إلا أنه نفى هذا الأمر. فعلى أي حال سيكون منهمكاً جداً في عمله في وكالة الاستخبارات الأميركية. ولن يواجه أي منافسة من المدير العام لوكالة الاستخبارات الوطنية اللواء جيمس كلابر (70 سنة) وهو قائد متقاعد للقوات الجوية فاجأ المراقبين خلال السنة الماضية بتصريحات حول الشؤون العربية تفتقر إلى المعلومات الدقيقة. وسيبقى توم دونيلون (56 سنة) مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي بعد أن تمّ تعيينه في هذا المنصب منذ أقلّ من سنة. وقد سعى دونيلون وهو محامٍ وعضو سابق في مجموعة ضغط خلال مسيرته إلى مساعدة المرشحين الديموقراطيين على الفوز بالانتخابات. ويبدو أنه يملك خبرة عسكرية قليلة أو أنّ خبرته العسكرية معدومة كما أنه ليس قوياً. ومن المتوقع أن يرحل رئيس هيئة الأركان المشتركة الأدميرال مايك مولن (65 سنة) عن منصبه في شهر تشرين الأول (أكتوبر) المقبل. وقد يتمّ تعيين الرجل الثاني في وزارة الدفاع الجنرال جيمس كارترايت (62 سنة) مكانه، وهو يعتبر ضابطاً ذكياً ومحنكاً. وحين ينهي روبرت مولر (67 سنة) ولايته البالغة عشر سنوات كمدير لمكتب التحقيقات الفيديرالية في 4 أيلول (سبتمبر) المقبل سيكون أوباما قادراً على تعيين رجل من اختياره في هذا المنصب. هؤلاء هم مستشارو أوباما الأساسيون لشؤون الأمن. ويبدو أن لا أحد بينهم ستطغى صورته على الرئيس أو سيستطيع معارضة آرائه. وثمة تساؤلات في العواصم الأوروبية حول إمكان قيام أوباما بفضل موقعه الأقوى بمواجهة الجمهوريين والصقور الآخرين واتخاذ قرارات جريئة تتوافق مع ما سمّي بغرائزه. هل سيسحب حالياً القوات الأميركية من العراق بدلاً من ترك عدد كبير منها هناك وإيلائها أدواراً مختلفة؟ هل سيستخدم ذريعة مقتل بن لادن للترويج للمفاوضات مع حركة «طالبان» وتسريع انسحاب قوات التحالف من أفغانستان؟ هل سيسعى إلى التوفيق بين الآراء في باكستان واليمن من خلال الدعوة إلى وقف الهجمات بالصواريخ التي تنفذّها الطائرات من دون طيار والتي تؤدي أحياناً إلى نتائج عكسية؟ هل سيغلق أخيراً معتقل غوانتانامو؟ هل سيسعى إلى تغيير عسكرة السياسة الخارجية الأميركية التي طبعت العقود الأخيرة؟ هل سيجرؤ على مواجهة رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني بنيامين نتانياهو ومجموعات الضغط والمؤيدين الأميركيين النافذين وسيشدّد بكل ما أوتي من قوة على ضرورة حلّ النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني؟ يتوقّع عدد قليل من المراقبين الحصول على إجابة إيجابية على هذه الأسئلة. ويعتبر الرأي الذي يعارض إعادة الهيكلة التي يجريها أوباما أنها ستؤدي إلى المضي قدماً باتجاه ما سمي «عسكرة الاستخبارات». ويوحي تعيين جنرال مثل ديفيد بترايوس مديراً لوكالة الاستخبارات الأميركية بإمكان حصول تطوّر مماثل. بمعنى آخر، من المرجح أن نشهد زيادة وليس تقليصاً في العمليات الأميركية السرية في الخارج، في أفغانستانوباكستان واليمن وليبيا والصومال والمملكة العربية السعودية وفي أمكنة أخرى، مع العلم أن التمييز بين العناصر العسكرية وعناصر الاستخبارات يصعب في ظلّ هذه العمليات. في نهاية شهر نيسان (أبريل) الماضي، لفتت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أنّ الجنرال بترايوس وقّع في شهر أيلول (سبتمبر) 2009 على «أمر تنفيذي» سري يسمح لفرق العمليات الخاصة الأميركية بإجراء مهمات استطلاع وبناء شبكات استخباراتية في أنحاء منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى من أجل «اختراق مجموعات المجاهدين وهزيمتهم وتدميرهم وتحضير الأرضية» لشنّ هجمات عسكرية أميركية في المستقبل. ماذا يعني ذلك؟ لقد أعلن أوباما مراراً أنّ الولاياتالمتحدة ليست في حال حرب مع الإسلام ولن تكون يوماً كذلك. إلا أنّه لم يُترجم هذا التعهد عملياً بعد. وبدلاً من وضع الولاياتالمتحدة على خط المصالحة مع العالم العربي والإسلامي، يبدو أنّ أوباما قد اعتمد مقاربة عنيفة والدليل على ذلك عملية قتل أسامة بن لادن. فهل من عجب في أنّ بعض المراقبين يرى اختلافاً بسيطاً بين السياسة التي اعتمدها باراك أوباما حيال الشرق الأوسط وتلك التي اعتمدها جورج بوش الابن؟ * كاتب بريطاني مختص في شؤون الشرق الأوسط