هي أحدى المرات التي أتناول فيها القلم وأنا تحت حالة انهيار وبحد لا تستقيم معي فيه الأحرف، فكل ما شعرت أن الرحمة منزوعة من جسد كائن حي أخاف فعلا وأوشك أن أبصم بأن الطريق يذهب بنا لحافة الانهيار. لا شعور أقسى من أن يكون هناك بشرا ضعيفا يعيش وجعاً رهيباً، وجحيماً لا يطاق، وذلا لا يشبهه ذل دون أن يمكننا مساعدته بفتح الغطاء عن الوجع أو مد اليد له بضمادة جرح أو حتى منحه ريالا يتيما يتناول به كأس ماء ينوب لثوان بسيطة عن نزيف دمه الثمين جداً عند من يعرف ماذا يعني إنسان؟ الشعور الأقسى والرهيب حين يطعنك الزمن المخيف ويخبرك أن الوجع الرهيب والجحيم والذل يقف وراءه شيطان مستتر يدعى «أب»، وزوجة لا أجد مسمى يليق بها في هذا المشهد المفجع إلا أنها زوجة أب ظالم وبديلة عن أم مظلومة! أقسم لكم أني سكبت من الدموع ما يكفي حين مررت على قصة وليد وعبدالرحمن وسأختصر لكم قصتهما: «فهما طفلان ذنبهما الوحيد أن رعايتهما وحضانتهما أوكلت لأب نزعت من قلبه الرحمة وأهداهما في مقتبل العمر - بالمناصفة - «فشلاً كلوياً حاداً وجفافاً، تقرحات شديدة في فروة الرأس والظهر وجروحاً في الركبة اليمنى، تلفا في الجذع، آثار قيد على المعصمين والرسغين، كدمات متعددة على الأطراف الأربعة، وختمهم بما يشير إلى الإجلاس على موقد للنار»، هل أكمل؟ من لم يصب بالانكسار والإحباط والقهر فلا أحتاج أن يواصل معي للنقطة التي تختم السطر الأخير من المقال. أي عنف أسري هذا! أي إنسان هذا! أي امرأة هذه! أي مأساة نقرأها؟ هل نحن نعيشها فعلاً؟ هل نحن نعيش فعلاً؟ هل يوجد مواطن سعودي يؤمن بالله رباً وبمحمد رسولاً والإسلام ديناً يفعل هذه الأعمال الفظيعة؟ لا نقبل - منعا لفاجعة مشابهة - بمبرر أوراق التحقيق الدائم وأن الفاعل مريض نفسي أو مجنون، هذا ليس مريضاً، إنه مستثنى من قاموس البشر تماماً»، الحق أن مواطناً بهذه الوحشية لا يستحق أن يعيش ولو لعشر دقائق مطلقاً وإن اختلفت الرؤى على نوعية العقاب، إنما طبقوا عليه كامل أعماله مع طفليه دون استثناء وبذات الوحشية والعنف ولا تأخذكم ذرة رحمة أو إنسانية بمثل أب مجنون، أقصوه من عمله وأعلنوا اسمه، فتشوا عن جيرانه وأقربائه وابحثوا لماذا لم يسألوا عن طفلين أو يشاهدوا وجوههما؟ ابحثوا أيضاً عن المانع الذي كان وراء أن لا تشاهد أم حقيقة طفليها وفلذتي كبدها؟ نيابة عن أن تقف عليهما وهما أقرب لجنازتين على سرير أبيض بين حياة وموت، وحتى لا أنسى «العمة»: خذوها لكل غرف المنزل التي كانت مسارح لمجازر الأب وعنترياتها التي لن يوقفها إلا عنتريات عقابية مشابهة تماما ولكنها زائدة في الكمية والنوع برفقة الزوج المتنفس بلا قلب. المهم جداً: من سيقف بجانب «وليد» و»عبد الرحمن» ويعيدهما لحضن الأم الحنون ويقف مع الثلاثي إلى أن تغادر الروح إن لم تكن غادرت بتأثير أفعال الأب؟ من سيساهم في أن يعود الطفلان إلى الأم ولا تترك الأسرة المقهورة في صراع جديد مع العلاج والإعاقة والزمن؟ بشرونا بإلغاء الأب والعمة من قاموس الإنسانية، وبعدها بشرونا بمن يحتوي الأم وطفليها إلى أن يأتي الموت على الطريقة التي يختارها لهم الرب لا أن يتبناها الأب، ولكي أزرع بذور أمل لهذين الطفلين أقول - نقلا عن الشعراوي – «لا يقلق من كان له أب، فكيف بمن له رب»! [email protected]