دخلت الضغوط الأميركية على السلطة الفلسطينية مستوى جديداً يطاول قضية اللاجئين بعد القدس، إذ وجهت إدارة الرئيس دونالد ترامب صفعة جديدة إلى السلطة، معلنة تعليقاً جزئياً لمساهماتها المالية في «وكالة الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (أونروا). ولفتت إلى أن القرار «ليس عقاباً لأحد»، وسط تنديد فلسطيني باستخدام الوكالة «ورقة مساومة» سياسية. وإذ بدأت «أونروا» بالإعداد لحملة تبرعات دولية لتعويض النقص، يدرس الاتحاد الأوروبي تعويض جزء من التقليصات في مناطق معينة، مثل الأراضي الفلسطينية والأردن. وكما كان متوقعاً، لاقى القرار الأميركي ترحيباً إسرائيلياً حاراً على اعتبار أنه «تنفيذ لوعد آخر» من ترامب باقتطاع المبلغ ما لم يرجع الفلسطينيون إلى المفاوضات، و «شطبٌ لقضية اللاجئين بعد القدس». بموازاة القرار الأميركي، استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نظيره الفلسطيني محمود عباس في القاهرة أمس، وأكد له ضرورة تكثيف الجهود الرامية للتوصل إلى تسوية للقضية الفلسطينية، على أساس أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار في المنطقة. كما استضافت القاهرة «مؤتمر الأزهر العالمي لنصر القدس» الذي شهد حضوراً دولياً وعربياً لافتاً بهدف دعم القدس والمقدسيين، شن خلاله مسؤولون ورجال دين هجوماً حاداً على قرار ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بالمدينة «عاصمة لإسرائيل». وتستقبل القاهرة أيضاً السبت نائب الرئيس الأميركي مايك بنس الذي يصل إلى المنطقة في زيارة تستمر أربعة أيام، وتشمل الأردن وإسرائيل. ويحيط بالزيارة تشنج فلسطيني- أميركي في ضوء أزمتي القدس و «أونروا»، ما يضع الجولة في إطار تعزيز العلاقات الثنائية، خصوصاً الأمنية، ومحاولة انتزاع تنازل في جهود السلام من تل أبيب، علماً أن زيارة الأردن أُضيفت في وقت لاحق إلى جدول الزيارة بعد تأجيلها مرتين. وفي إسرائيل، يمضي بنس يومين يلتقي خلالهما رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، ويزور حائط المبكى، ويلقي خطاباً أمام الكنيست. وفي واشنطن، سَعت وزارة الخارجية الأميركية إلى التهوين من قرار خفض مساهماتها في «أونروا»، وأعلنت أن ترامب قرر تقديم 60 مليون دولار إلى الوكالة و «تعليق» 65 مليوناً أخرى بانتظار «إعادة تقويم جذري» لأداء الوكالة، ملمحة إلى أنه تراجع عن تهديداته بقطع المساعدات بالكامل عن الفلسطينيين مطلع الشهر الماضي. ووضع مسؤولون أميركيون تحدثت إليهم «الحياة»، القرار في إطار انتصار لوزير الخارجية ريكس تيلرسون وتيار داخل الإدارة سعى إلى منع وقف كامل للمساعدات. وقال مسؤول ل «الحياة» إن المساعدات ستصل خلال «أيام»، وإنها ضرورية لمنع شلل الوكالة. وأشارت إلى أن التعليق الجزئي للدعم «رسالة إلى الأممالمتحدة» بأن واشنطن «ليس عليها تحمل كل الأعباء»، علماً أنها أكبر متبرع للوكالة وتقدم 30 في المئة من موازنتها. ولفت إلى تطلع واشنطن «لمساهمة دول أخرى، بعضها ثري، بتمويل الوكالة»، من دون أن يأتي على ذكر دور الرئيس عباس، مؤكداً أن خفض المساعدات «ليس عقاباً لأي طرف». ولفتت مصادر أميركية رسمية إلى أن تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس أقنعا ترامب بالإبقاء على التمويل جزئياً، فيما دعت السفيرة الأميركية في الأممالمتحدة نيكي هايلي إلى وقفه بالكامل ومعاقبة عباس. ويزور وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي واشنطن، وينتظر أن يلتقي تيلرسون اليوم. وندد الفلسطينيون بالقرار الأميركي، وقال السفير الفلسطيني لدى الولاياتالمتحدة الدكتور حسام زملط ل «الحياة» إن «خدمات الصحة والتعليم والغذاء التي يتلقاها اللاجئون الفلسطينيون ليست ورقة مساومة لدى الإدارة الأميركية بل التزام دولي»، مشدداً على أن الخفض «لن يقود إلى تسوية سياسية»، وأن حقوق اللاجئين «لا يمكن المساومة عليها من خلال الغذاء والدواء». كما اعتبرت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي أن القرار يرقى إلى معاملة «قاسية» بحق «سكان أبرياء وضعفاء». وعن التداعيات المحتملة، أعلن المفوض العام ل «أونروا» بيير كرينبول أن القرار «سيؤثر» سلباً في «الأمن الإقليمي»، فيما قال الناطق باسم الوكالة كريس غونيس لوكالة «فرانس برس» إنه «سيؤدي إلى أسوأ أزمة تمويل في تاريخ الوكالة»، منبهاً إلى أن «الاستقرار في الشرق الأوسط هو ما نتحدث عنه، والآثار المحتملة لزعزعة استقرار أونروا ستكون على الأرجح شاملة وعميقة وغير متوقعة وكارثية».