تأتي زيارة المبعوث الأميركي للشرق الأوسط جورج ميتشل اليوم لدمشق ضمن خطوات «تدرجية حذرة» تتخذها إدارة الرئيس باراك أوباما لتحسين العلاقات مع دمشق «بناء على التصرفات السورية». وأكد مسؤول أميركي ل «الحياة» أن الهدف الرئيس من الزيارة هو «استكشاف سبل الوصول إلى اتفاق سلام شامل في المنطقة»، ومحاولة إحياء المسار السوري - الإسرائيلي عبر الوسيط التركي، والاستفادة من «التأثير» السوري على حركة «حماس» للدفع بالمصالحة الفلسطينية. وحرص المسؤول الأميركي الذي تحدث إلى «الحياة» أمس على إبقاء محادثات ميتشل، وهو أرفع موفد أميركي يزور دمشق منذ عام 2005 وزيارة نائب وزير الخارجية السابق ريتشارد أرميتاج، في إطار عملية السلام، تاركاً المسائل الشائكة الأخرى في العلاقة (العراق، ودعم المنظمات المسلحة، والدور في لبنان) للمحادثات التي سيجريها مع المسؤولين السوريين مساعد وزيرة الخارجية بالوكالة لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان الذي يرافق ميتشل في هذه الجولة. وإلى جانب فيلتمان، سيرافق ميتشل في جولته كل من نائبه ديفيد هايل الذي يتوقع أن ينتقل إلى القدسالمحتلة للإشراف على عملية السلام نهاية الصيف. كما يضم الوفد مساعد ميتشل الاختصاصي في مسائل النزاعات الحدودية بين العرب وإسرائيل فريديرك هوف، إلى جانب المسؤول الاعلامي جوناثان برنس. وأكد المسؤول الأميركي أن الزيارة تنطلق «من موقع ميتشل كمبعوث للسلام في الشرق الأوسط، وهدفها إجراء محادثات استكشافية في شأن سبل التوصل إلى اتفاق سلام شامل في المنطقة». وعبر المسؤول عن «سرور الإدارة الأميركية باغتنام فرصة أخرى (الزيارة) لاستكمال المحادثات الشاملة وإيجاد مساحة للعمل المشترك مع سورية ومد الجسور في الأمور الخلافية». وتؤكد الباحثة في معهد السلام الأميركي المسؤولة السابقة منى يعقوبيان ل «الحياة» أن «الزيارة مهمة لناحية سعي إدارة أوباما إلى السلام الشامل في المنطقة ورغبتها في الانخراط مع سورية»، وأنها «تحمل مؤشراً مهماً إلى أن واشنطن تريد المضي قدماً في هذه العلاقة». وترى يعقوبيان أن العلاقة السورية - الأميركية «تأخذ نهج الانخراط الحذر والتدرجي»، وأن «تجربة الانتخابات اللبنانية وعدم اتهام واشنطن لسورية بالتدخل هو مؤشر جيد أدى في شكل أو آخر إلى زيارة ميتشل» الذي لم يتوقف في سورية خلال جولاته الثلاث الأولى في المنطقة. وتتصدر فرص إعادة إحياء المسار السوري - الإسرائيلي جدول أعمال ميتشل، إذ شدد المسؤول الأميركي على دعم إدارة أوباما لجهود الوساطة التركية بين إسرائيل وسورية، فيما يرى مسؤول آخر رفيع المستوى أن هذا المسار «من المرجح أن يتحرك في وقت أسرع من المسار اللبناني - الإسرائيلي». وتربط يعقوبيان هذا الأمر بالنية السورية لرؤية دور أميركي على هذا المسار من جهة، وسعي واشنطن إلى السلام الشامل من جهة أخرى. إلا أنها تشير في الوقت نفسه إلى أن فرص هذا التحول رهن بموقف الجانب الاسرائيلي والخطاب المتوقع أن يلقيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الأسبوع المقبل. وبحسب مسؤولين في الإدارة الأميركية، فإن البند الآخر الذي سينقله ميتشل إلى القيادة السورية، هو دعوة دمشق إلى استخدام تأثيرها على «حماس» للدفع بالمصالحة الفلسطينية. ويشير الخبير في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى أندرو تابرلر إلى افتراق هذه الإدارة عن نهج الرئيس السابق جورج بوش الذي هاجم سورية لدعمها «حماس» وطالبها بطرد رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل من دمشق. ويؤكد تابلر أن زيارة ميتشل وبدء محادثات سلام على المسار السوري - الإسرائيلي «قد تفعل فعل مبرد الهواء» في العلاقة السورية - الأميركية بتبريدها حدة الخلافات في العلاقة، خصوصاً في ما يخص العراق ومسألة ضبط الحدود. وبحسب تابلر، يفرض النهج التدرجي في الانخراط انتظار خطوات أخرى من الجانب السوري قبل انفتاح أميركي أكبر بإعادة السفير إلى دمشق بعد سحبه في عام 2005 أو مراجعة العقوبات. وتؤكد مصادر ديبلوماسية ل «الحياة» أن الجانب الأميركي طرح على سورية تأليف لجنة ثلاثية لمراقبة الحدود السورية - العراقية، وهو ما رفضته دمشق. وستتصدر هذه الإشكالية زيارة مرتقبة لوفد عسكري أميركي إلى دمشق في الأسابيع المقبلة.