أنهى وزير العدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشيخ الدكتور وليد بن محمد الصمعاني زيارته الرسمية للصين، وهي الأولى من نوعها لوزير عدل سعودي إلى القطب الآسيوي الكبير، عقد خلالها عدداً من المحادثات مع مختلف كبار مسؤولي السلك القضائي والعدلي في البلاد، وناقش فيها الجانبان سبل التعاون المشترك والتنسيق في ما يعزز فرص التبادل الثنائي وتنمية العلاقات الاستراتيجية بين المملكة والصين، وخصوصاً في المجال القانوني، بما يؤسس لعلاقات قضائية أكثر وضوحاً وتنوعاً. وقام الصمعاني بزيارة المحكمة الشعبية العليا، اطلع خلالها على الخطوات الإجرائية في المحاكم الصغيرة والمتوسطة في المحكمة الشعبية العليا، وزار مركز المعلومات بالمحكمة، والتقى كبير قضاتها لي شاو ببنغ. وأكد أثناء محادثاته للفريق الصيني أن النظام القضائي بالمملكة العربية السعودية يأخذ بمبدأ القضاء المزدوج، فهناك القضاء العام، والقضاء الإداري في درجات تقاضٍ ثلاث، وتتولى المحاكم العليا مراقبة سلامة الأحكام ومراجعتها. وأوضح الدكتور الصمعاني، عند تطرق الجانبين إلى الجهود الدولية في مكافحة الإرهاب، أن المملكة تكاملت جهودها الميدانية والفكرية في محاربة الإرهاب وتجفيف منابعه، مع محاسبة المتورطين كافة في هذه الجريمة، من خلال إجراءات قضائية واضحة في قضايا جرائم الإرهاب وتمويله، تهدف إلى سرعة ودقة الفصل في القضايا الإرهابية، ويحظى المتقاضين في هذه القضايا على الضمانات والحقوق كافة، وصدر عدد من أحكام البراءة ضد بعض المتهمين بالإرهاب، لثبوت عدم صحة التهم الموجهة إليهم، كما صدر عدد من الأحكام المشددة ضد من ثبت اضطلاعهم في جرائم الإرهاب. وفي سياق التقنيات في المجال العدلي المطبقة في الصين اطلع الصمعاني على تطبيقات مركز المعلومات بالمحكمة العليا، ثم أوضح للمهتمين الصينيين أن من أهم استراتيجيات وزارة العدل السعودية تفعيل التقنية في مجالات التقاضي المختلفة، فهناك، على سبيل المثال، مبادرة «محكمة بلا ورق» التي تم تعميمها على محاكم التنفيذ كافة، وتهدف من خلالها الوزارة إلى أتمتة جميع إجراءات التقاضي، وجعلها إجراءات إلكترونية، من دون الحاجة إلى الورق، أو مراجعة المحكمة، وهناك عدد من المشاريع التي تعمل عليها الوزارة، مثل مشروعي «استئناف بلا ورق» و«ناجز»، لتفعيل التقنية في صميم العملية القضائية، لمساعدة أصحاب الفضيلة القضاة في سرعة الفصل في القضايا وخدمة المستفيدين، ودقة الحصول على المعلومات المطلوبة كافة. وقام وزير العدل والوفد المرافق له بالاطلاع على تاريخ القضاء الصيني، وذلك بزيارة متحف المحاكم الصينية، الذي حوت جنباته عدداً من الوثائق والمجسمات النفيسة، تمثل الإرث التاريخي للقضاء الصيني. وأعرب الصمعاني في ختام زيارته عن شكره وتقديره للصينيين على الحفاوة البالغة التي وجدها منهم، وما لمسه من اهتمام المسؤولين في الجهاز القضائي من حرص على التعاون واستثمار العلاقات بين البلدين بأفضل السبل الممكنة، مؤكداً أن الصين من أكثر الدول التي يتعامل معها المستثمرون السعوديون، ما جعل التبادل التجاري بينها وبين المملكة ضخماً، فأصبح بذلك التفاهم والتعاون القضائي أكثر أهمية، وخصوصاً بعد الزيارتين الأخيرتين لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد إلى الصين، اللتين تكللتا بالنجاح وتطورتا إلى اتفاق استراتيجي يحيي طريق الحرير العريق، الذي كان رمزاً للتبادل التجاري بين بلاد الصين ومنطقة الجزيرة العربية على مر العصور، بما يتقاطع مع برامج رؤية السعودية 2030 الطموحة، العاملة على استثمار موقع المملكة الجغرافي الخلاق في البناء التنموي والازدهار الاقتصادي. وأوضح الصمعاني، خلال اللقاءات المشتركة مع الجانب الصيني، أن النزاعات التجارية بالمملكة تمضي في مسارين اثنين، فإما أن يحل النزاع عبر القضاء التجاري، ممثلاً بالمحكمة التجارية المتخصصة، التي تم تخصيصها أخيراً لتأتي متوافقة مع الخطوات المتسارعة للمملكة نحو تطوير وتحسين وتسريع النظام التجاري، ليتواءم مع المشاريع الاقتصادية الكبيرة التي تقوم بها الدولة، ضمن رؤية 2030، وإما عبر المسار الثاني، الذي هو التحكيم التجاري، إذ أنشأت المملكة أخيراً المركز السعودي للتحكيم التجاري، لذي سيُعنى في درجة كبيرة بسرعة تسوية المنازعات ومرونة الإجراءات، وفعاليتها. ولفت إلى أن العمل القضائي التجاري تحكمه أنظمة عدة أقرتها المملكة، وتمتاز بالمرونة، والفاعلية، والتطوير، والتحديث المستمر، وذلك نظراً إلى ما يتطلبه هذا النوع من الأقضية من سرعة، وما يطرأ عليه من تغيرات، ونظراً إلى ما يمثله الوقت للتاجر من أهمية كبيرة، فالقوانين التي تسير عليها المملكة في هذا الجانب تستهدف سرعة الفصل في هذه القضايا، وتحقيق العدالة الناجزة، فهناك نظام للشركات، وعدد من الأنظمة التجارية الأخرى، كما أن المملكة تسعى دائماً إلى تطوير قوانينها وإعادة هيكلتها وتصحيحها للتوافق مع أي مستجدات ومتغيرات، والمملكة تستعد لإقرار أنظمة مهمة لدعم العمل التجاري، كنظام الإفلاس، المتوقع صدوره قريباً.