إذا كانت المستشفيات تعد الأماكن التي يتخلص المرضى فيها من أدوائهم، فهناك كثيرون ينظرون إليها بشكل مضاد تماماً، ويعتبرونها موطناً لانتشار العدوى والإصابة بالميكروبات والجراثيم، خصوصاً في ظل عدم التزام القائمين عليها بالإجراءات النظامية والبرامج الصحية الكفيلة بمكافحة عدوى الأمراض، فكم من مريض خرج منها بمرض إضافي، وكم من زائر نقل إصاباتها إلى خارج تلك المستشفيات، بل حتى الأطباء أنفسهم والعاملون فيها يتعرضون للعدوى داخلها. وكان مكوث عبدالله (21عاماً) في أحد المستشفيات لأكثر من أسبوعين جراء تعرضه لحادثة سيارة، وتناوله عدداً من المضادات الحيوية، كفيلاً بقتل الميكروبات النافعة في جسمه وخلق ميكروبات ضارة مقاومة لمختلف المضادات، ما أسهم في تقليص مناعته وإصابته بأنواع جرثومية أخرى داخل المستشفى بحسب قول طبيبه. في حين قال زائر أحمد الفيفي: «أدركت خطئي متأخراً عندما لم اكترث بالتقبيل والسلام على أحد المرضى من أقاربي الذي يعاني من أمراض تنفسية وجلدية، واستخدمت دورة المياه الخاصة به، ما تسبب بانتقال كم من الجراثيم والميكروبات العنقودية داخل جسمي بسهولة، لوجود بعض الجروح في يدي». وذكر محمد (33 عاماً) والذي يعاني من فشل كلوي اضطره إلى خوض مراحل غسيل كلى مرات عدة أسبوعياً، أن المستشفى الحكومي الذي تبنى علاجه هو نفسه من تسبب له بمرض معد عبث بأهم أعضائه ليخرج منها بمرضين بدلاً من واحد، وقال: «صعقت عندما خضعت لبعض التحاليل، لأكتشف بمحض الصدفة أني مصاب بفيروس التهاب الكبد (س)، وانتقاله لي عن طريق جهاز غسيل الكلى وأنابيبه الملوثة التي لم يكترث الممارس الصحي بتعقيمها وتنظيفها، لأتجرع الآلام مضاعفة نتيجة إهمال لا ناقة لي فيه ولا جمل». ولفتت المواطنة نجاة عبدالله (44عاماً) إلى أن ألم ضرسها الذي سعت إلى خلعه قبل عشرة أعوام، أهون بكثير من الآلام التي تشعر بها حالياً نظير إصابتها بالتهاب الكبد (س)، بسبب عدم اكتراث الممرضة والطبيب بنظافة وتعقيم أدوات الأسنان الخاصة. بينما أشارت طبيبة الأسنان في مستشفى القوات المسلحة شيرين إلى حقيقة ما يحدث في بعض المراكز والمستشفيات، وقالت: «إن عدم تغطية كرسي المريض بالنايلون وكذلك الأزرّة والمقابض والمغسلة، وتبديلها بين كل مريض وآخر، وتنظيف وتعقيم أنبوبة شفط لعاب المريض، إضافة إلى عدم الالتزام بالوقت المفترض لتعقيم الأدوات داخل الجهاز المخصص، وإنكار المريض إصابته بأمراض معدية، يسهم بلا شك في انتشار الأمراض بصورة سريعة». من جهته، أوضح المدير التنفيذي المشارك للطب الوقائي ومكافحة العدوى في مدينة الملك عبدالعزيز الطبية في الحرس الوطني الدكتور عبدالحكيم الثقفي، أن العوامل الرئيسية لانتقال العدوى داخل المستشفيات عدم توافر برامج صحية داخل المنشآت الطبية لمكافحة العدوى، ونظرة بعض المستشفيات تجاه سياسة تلك المكافحة بأنها نوع من الرفاهية للمريض، لافتاً إلى أن انتقال العدوى حقيقة ملموسة في جميع المستشفيات، وأنها تتطلب اهتماماً أكبر من المستشفيات لنشر الإجراءات الوقائية، وأن تخصص مكافحة العدوى لم يأخذ مكانه في المملكة سوى قبل عشر سنوات. وفيما يتعلق بطبيعة البرامج الصحية المتوافرة على مستوى المملكة، ذكر أنه قبل خمس سنوات تم استحداث برنامج الاعتراف بالمنشآت الصحية تحت مسمى «مجلس الخدمات الصحية» يتكفل بمنح المستشفيات شهادة اعتراف نظير التزامها ممارسة التطبيقات الصحية بمعايير الجودة النوعية العالمية ضمن إجراءات قياسية يعتمد جزء كبير منها على 50 في المئة من مكافحة العدوى، إلا أن المستشفيات التي تقدمت لذلك المجلس لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، مشيراً إلى ضرورة توافر وحدة مكافحة العدوى في كل مستشفى، وأن المستشفيات التي لا يقل عدد أسرتها عن 200 لابد أن يتوافر فيها وحدة متخصصة تتكون من طبيب أحياء دقيقة، وممارس صحي، وراصد وبائي وسكرتير، إضافة إلى معالج للبيانات يقوم بإصدار التقارير بهذا الخصوص. وعن أنواع البكتيريا، لفت إلى أن هناك من البكتيريا من لا تموت بسهولة بسبب اتخاذ المريض جرعات من المضادات الحيوية تكفلت بقتل جراثيم الجهاز الهضمي، مثل البكتيريا العنقودية، وأن هناك بكتيريا تنتقل عن طريق الهواء، مثل انتقال بكتيريا مريض السل، مشيراً إلى أن انتشار العدوى داخل المستشفى يتم بطرق ثلاث، أولها يتمثل بالتلامس سواءً بشخص مصاب أو بأدوات طبية ملوثة، وثانيها ينتشر عن طريق الهواء، في حين ينتقل الثالث عن طريق نقل الدم أو الأعضاء.