إذا ما نجحت السلطات السورية في إنهاء الحركة الاحتجاجية التي شملت اجزاء واسعة من البلاد، فإن أحد الأسباب وراء ذلك سيكون افتقاد «ميدان تحرير سوري»، على غرار ميدان التحرير في القاهرة الذي تظاهر فيه ملايين المصريين لمدة 18 يوماً حتى اطاحة الرئيس المخلوع حسني مبارك. ويعترف ناشطون سوريون بأن اقتصار عدد المتظاهرين في مناطق الاحتجاجات على ما بين 5 آلاف الى 10 آلاف او اكثر قليلاً سهل على قوى الامن السوري اعتقال المحتجين ومحاصرتهم وتفريقهم، وذلك على عكس الصعوبات الكبيرة التي واجهت قوات الامن المصرية في اقتحام ميدان التحرير او اعتقال الكثير من الناشطين بسبب الغلبة العددية الكبيرة للمتظاهرين المصريين مقابل قوى الامن. ويقول ناشطون داخل سورية وخارجها إن «تفكك» جبهة المعارضة ضد النظام السوري لم يساعد على تجميع قوى الشارع، الذي ظل في مدن مهمة مثل حلب ودمشق بعيداً من التظاهر إلا بأعداد لم تتجاوز الألف او الألفين أغلبهم من طلاب جامعتى دمشق وحلب. وقال رئيس الرابطة السورية للدفاع عن حقوق الانسان عبدالكريم ريحاوي لوكالة «اسوشييتد برس»: «القوى التي على الارض لا يمكنها إطاحة النظام، لقد فقدوا فرصة ذهبية ونادرة لفعل شيء». وتابع: «التظاهرات ستتواصل، لكنها لن تتسع أكثر». ويشعر ناشطون ومعارضون سياسيون بقلق متزايد ازاء سحق الحركة الاحتجاجية الحالية وأثار ذلك على مستقبل الحركة المطالبة بإصلاحات سياسية ذات معنى. وقال معارض سوري في المنفى لوكالة «اسوشييتد برس»: «إذا لا سمح الله، سحق النظام الاحتجاجات الحالية، أعتقد اننا سنحتاج الى 50 عاماً اخرى كي نتحرك ثانية». وعلى رغم ان الكثيرين في الشارع السوري يرغبون في اصلاح اقصادي وسياسي ومكافحة الفساد، إلا ان المعارضة السورية، سواء العلمانيين او الليبراليين او الاسلاميين او اثنيات مثل الاكراد، يتحركون بشكل منفرد، وعلى ما يبدو ليس هناك اي تنسيق بينهم، وذلك على عكس قوى النظام التي استطاعت خلال الايام القليلة الماضية ان تجمع قواها الامنية والسياسية والاقتصادية، وقدمت تنازلات للشارع من اجل إنهاء الاحتجاجات. ويقول ناشطون سوريون إن أحد اهم اسباب تفكك المعارضة هو الاختلاف حول الاهداف من الاحتجاجات الشعبية، فهناك من يريد اسقاط النظام، لكن هناك من يريد اصلاحات سياسة وحريات اكبر في ظل النظام الحالي. هذه الانقسامات داخل القوى السياسية المعارضة انعكست على الشارع السوري، الذي خرج عشرات الآلاف منه الى الشارع ك «رد فعل غاضب» على الاعتقالات والاستخدام المفرط للعنف، أكثر كثيراً مما خرجوا للدفع بأجندة سياسية معينة. وأوضح معارض سوري في المنفى، لا يريد الكشف عن هويته لوكالة «اسوشييتد برس» ان «المعارضة فشلت حتى في تشكيل مجلس لقيادة المتظاهرين. هذا ترك كل مدينة تواجه مصيرها منفردة، حتى سحقت الاحتجاجات. لقد سحقوا درعا والآن بانياس وحمص، وبعد ذلك ستنتقل قوى الامن الى أماكن اخرى». ويقول ريحاوي إن نحو 200 ألف مواطن سوري فقط خرجوا للشوارع منذ بدأت التظاهرات في آذار (مارس) الماضي من أصل 20 مليون سوري. ويوضح ناشطون وحقوقيون ان سبب عدم خروج العديد من السوريين هو الخوف من الفوضى إذا ما اطيح بالنظام، والتوجس من مطالب عرقية او دينية خاصة، وليست مطالب وطنية محضة. وقال احد الناشطين العلمانيين في هذا الصدد: «نحن مقتنعون الآن ان هناك اسلاميين مشاركين في التظاهرات. وهم نحو 5 في المئة، إلا ان ضررهم كبير... نحن نريد ديموقراطية في سورية، لكننا لا نريد ديموقراطية تطلق العنان لعنف طائفي». اما الكابوس الاكبر في سورية والذي ربما ساهم في عدم خروج السوريين بأعداد أكبر فهو الخوف من تفكك البلاد عرقياً ودينياً. ويقول ناشطون إن الخطر يتزايد إذا اخذ في الاعتبار طبيعة تركيب الجيش السوري، موضحين انه في حالة سقوط النظام، فإن الجيش سيتجه للتفكك وكذلك سورية. وقال ناشط حقوقي في هذا الصدد «انقسام في الجيش سيؤدي قطعاً الى تقسيم سورية. لان الانقسام على اساس طائفي سيعني ان كل طرف سيحارب من اجل بقائه». سبب آخر أضعف مشاركة السوريين في التظاهرات هو ان الرئيس السوري بشار الاسد يتمتع بشعبية وسط السوريين الذين يرون انه اصلاحي. ويقول ريحاوي: «هناك الكثير من الناس في الشارع مقتنعون ان بشار الاسد اصلاحي، وان انتشار الاحتجاجات في الشارع يعوقه عن الاصلاحات».