يعترف السكرتير الصحافي للرئيس اليمني بلعب دور شاهد عيان في الأحداث الجارية في بلاده وتزويده فضائية «الجزيرة» معلومات مضللة وكاذبة. ربما يواصل السكرتير واسمه أحمد الصوفي لعب الدور ذاته بعد أن أحس بدنو أجل النظام هناك. وربما يشكل اعترافه انشقاقاً عن الرئيس علي عبدالله صالح في لحظة مصيرية حاسمة يمر بها «اليمن السعيد»، وربما لا، اذ تجيء خطوته المفاجئة في سياق تقريع وتفريغ دور «الجزيرة» من محتواه الاعلامي ومحاولته توجيه سهام الشكوك نحوها بغية النيل من صدقيتها، فيقدم نفسه على أنه شاهد عيان مزيف. ليس هنا سبيل مناقشة خطوة الصوفي، فهي لم تحدث زلزالاً كان متوقعاً من قبله في عالم اعلام اليوم، وربما لن تحدثه خطوات مماثلة، فلم تعد هويات شهود العيان مسألة مهمة. كما لم يعد مهماً التدقيق فيها أو التحري عنها لغياب الأدوات اللازمة في ظل هذا الدفق المعلوماتي غير المسبوق في التاريخ الى درجة تشكل «المعلومة صفر» في توافرها وسهولة الحصول عليها، رسوخاً لمسألة مهمة، تكاد تكشف هوية التلفزيون نفسه. فهذا الجهاز العجيب بحسب عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو في كتابه «التلفزيون وآليات التلاعب بالعقول»، لم يعد مجرد أداة لتسجيل الأحداث، بل أصبح أداة لخلق الواقع، فنحن نذهب كما يرى بورديو أكثر فأكثر نحو عوالم حيث الحياة الاجتماعية فيها توصف وتفسر بواسطة التلفزيون. كيف ذلك؟ يتساءل عالم الاجتماع الفرنسي ويفترض في اجابته أنه قد يرغب الحصول على حق التقاعد في الخمسين، فقبل سنوات كان يتوجب عليه التظاهر وإعداد اللافتات والتوجه نحو وزارة التعليم الوطني، أما اليوم في عصر التلفزيون يكفي استدعاء مستشار متخصص في الاعلام وقيامه ببعض الخدع الماكرة التي تشد وسائل الاعلام وتصدمها كي يتم من خلال التلفزيون الحصول على تأثير ليس بعيدا عن ذلك الذي يمكن أن تحصل عليه تظاهرة مكونة من خمسين ألف شخص. ما فعله السكرتير الصحافي للرئيس اليمني بصرف النظر عن هدفه من تضليل «الجزيرة» التي أوردت الخبر يصب على المستوى العام في سياق القدرة على فرض مبادئ لرؤية أحداث العالم من دون التشكيك بصحتها ودقتها. فهنا عن طريق تمرير المعلومات بصرف النظر عن مدى صدقيتها تخلق مجموعات - مع أو ضد - يمكن أن تصل حد الاقتناع بوجودها كي تمارس ضغطاً وتحصل على امتيازات مناوئة أو مؤيدة للرئيس، مع معرفة مسبقة أنه من دون احتلال شاشات التلفزيون، فلن تكون هناك فائدة من ضغوطهم. وهي ضغوط ربما تهم أكثر فأكثر العاملين في المحطات، وهذا ما قام به السكرتير حين وجد أن طبيعة عمله تفرض عليه لعب دور شاهد عيان مزور قبل أن ينكشف أو يكشف أمره لأسباب ستظل مرتبطة به اذا لم تكشف في المستقبل القريب.