بعد اسابيع من حملة قلّ نظيرها في ايران ما بعد الثورة الإسلامية، لجهة سخونتها وحدّة الاتهامات المتبادلة فيها، يخلي المرشحون الأربعة الساحة للناخبين ليختاروا رئيساً جديداً لولاية من اربع سنوات، قد تحمل المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي الى سدة الحكم، او قد ترسّخ عهد الرئيس المنتهية ولايته محمود أحمدي نجاد بولاية ثانية. نجاد الذي أحدث مفاجأة ضخمة بفوزه على الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني في انتخابات العام 2005، يفتقد هذه المرة عنصر المفاجأة الذي قد يكون حليفاً لموسوي العائد بقوة الى الحلبة السياسية بعد غياب عقدين. سواء انتصر نجاد او موسوي او حتى المرشحين الآخرين محسن رضائي ومهدي كروبي، سيتذكر الإيرانيون هذه الانتخابات بوصفها معركة استُخدمت فيها كل انواع الأسلحة، وتبادل خلالها المرشحون اتهامات قاسية جداً، لم تألفها البلاد في تاريخها. وبين الحديث عن «مؤامرات يسارية» او تحذير «الحرس الثوري» من «ثورة مخملية» او خشية الإصلاحيين من التلاعب في نتائج الانتخابات، تبقى الكلمة الفصل للإيرانيين. { طهران – سمير السعداوي توقفت في ايران امس، الحملات الانتخابية بمظاهرها كافة، بما في ذلك المسيرات والمهرجانات المؤيدة للمرشحين، مع دخول البلاد مرحلة صمت انتخابي استعداداً للاقتراع المقرر اليوم. وبعد سلسلة حملات صاخبة استمرت ليالي عدة، بلغت المهرجانات الانتخابية ذروتها ليل الأربعاء – الخميس، اذ انقسمت العاصمة طهران الى «معسكرين»، الأول موال للمرشح الإصلاحي مير حسين موسوي الذي تركزت مسيرات انصاره في شارع ولي عصر والأحياء الراقية شمال المدينة، فيما تدفق انصار الرئيس المنتهية ولايته محمود احمدي نجاد الى شارع الثورة، وهتفوا «باي باي هاشمي» في اشارة الى الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني الذي يتهمونه بالوقوف وراء حملة موسوي. وكانت مواكب انصار المرشحين تختلط في بعض الشوارع ويخترق بعضها «معاقل» الآخر، من دون ان يؤدي ذلك الى احتكاكات جدية ما عدا مقارعات كلامية لا تخلو من الحدة احياناً. وأُبلغ اصحاب السيارات بضرورة ازالة صور المرشحين عنها، تحت طائلة حجز السيارة المخالفة. وسُجل حضور خجول لأنصار المرشح الإصلاحي الثاني مهدي كروبي الى جانب مؤيدي موسوي، فيما غاب جمهور المرشح المحافظ الثاني محسن رضائي عن شوارع العاصمة، واقتصر حضورهم على بعض الأماكن خارجها. وللمرة الأولى في تاريخ الحملات الانتخابية في ايران، لجأ انصار موسوي الى الرسائل النصية للترويج لحملته، وأفادت تقارير بأن اكثر من 110 ملايين رسالة من هذا النوع ارسلت الى الهواتف الخلوية خلال الأيام الأخيرة، علماً ان عدد الناخبين في ايران يبلغ 46 مليوناً، يُتوقع ان يتوجه اكثر من 30 مليوناً منهم الى صناديق الاقتراع. وعكست سخونة الحملات الشعبية، حدة التنافس بين المرشحين الرئيسيين، فيما اطل نجاد عبر التلفزيون الرسمي للمرة الأخيرة قبل الاقتراع، مفنداً اتهامات خصومه له بالكذب، ومدافعاً عن تصريحاته النارية خلال الحملة الانتخابية. «مؤامرة يسارية»؟ وفي تصريح إلى «الحياة»، رأى رجل الدين الإيراني المحافظ محمد علي تسخيري ان التظاهرات المؤيدة للمرشحين «مظهر ايجابي» من مظاهر التعبير الحر. لكنه اعتبر ان «وراء الأكمة ما وراءها»، في اشارة الى حال التعبئة في صفوف مؤيدي موسوي وكروبي. وقال تسخيري المقرب من مرشد الجمهورية علي خامنئي والذي يرأس مجمع التقريب بين المذاهب، ان الإصلاحيين الذين وصفهم ب «اليساريين» يحاولون «لملمة صفوفهم والعودة الى الحكم»، مستفيدين من «اخطاء حكومة نجاد التي يبالغون في تحميلها مسؤولية كل المشاكل في البلاد». ووصف تسخيري جناح موسوي ب «اليساري المعتدل»، فيما اعتبر كروبي «يسارياً متطرفاً»، انطلاقاً من رفض المحافظين تسمية خصومهم ب»الإصلاحيين». وأكد رجل الدين المحافظ وجود اجماع لدى المرشحين الأربعة، على التمسك بالملف النووي الإيراني والتزام ايران دعم تيار الممانعة في المنطقة، وهو مسار لا عودة عنه باعتبار ان المرشد هو الذي يشرف على عمل أي رئيس. وينطلق المحافظون من وجهة نظر مفادها ان المرشد هو الحاكم وصاحب القرار الأول في البلاد، في حين يقود الرئيس السلطة التنفيذية. وهذا موضوع الخلاف الأساسي مع الإصلاحيين الذين يعتبرون ان الرئيس المنتخب هو الحاكم، تحت «اشراف» القائد الروحي. «لا عودة الى الوراء» في المقابل، اكد رجل الدين الإصلاحي محمد علي ابطحي ل»الحياة» ان «لا عودة بعقارب الساعة الى الوراء». وأبدى ابطحي، وهو مدير مكتب الرئيس السابق محمد خاتمي والمستشار الحالي للمرشح كروبي، ثقته بفوز الإصلاحيين في الانتخابات، مشيراً الى ان حجم التأييد الشعبي للتيار الإصلاحي سيظهر في صناديق الاقتراع. وقال: «حُسم الأمر، وغداً يوم جديد وعهد جديد في ايران». اما الديبلوماسي الإيراني المخضرم صباح زنغنه، فأبدى فخره واعتزازه بمظاهر الديموقراطية في ايران، مشيراً الى المهرجانات الانتخابية في الشوارع، وتمنى تعميم تلك الظاهرة في العالم الثالث. ورأى ان الانتخابات ستسفر عن فوز كبير للإصلاحيين. زنغنه الذي يتولى حالياً منصب مستشار رئيس السلطة القضائية للشؤون الدولية، سعى الى التخفيف من اهمية بيان التأييد لنجاد الذي اصدره «الحرس الثوري» الأربعاء. وأوضح في حديثه ل «الحياة» ان «قسماً من الحرس يؤيد نجاد، وما يصدر من مواقف في هذا الاتجاه لا يعبر عن رأي المؤسسة بكاملها». بالتزامن، نقلت وسائل الإعلام الإيرانية عن مصادر «الحرس» تحذيرها من ان خصوم نجاد يسعون الى «اثارة اضطرابات تمهيداً لثورة شعبية» في البلاد في حال فوزه في الانتخابات. نجاد... الكلمة الأخيرة وفي ظهوره الأخير قبل الانتخابات، اطل نجاد عبر التلفزيون الإيراني ليل الأربعاء – الخميس، متهماً خصومه بترويج الأكاذيب والاعتماد على «بيانات تصدرها الصهيونية»، للنيل من حكومته، طالباً من المواطنين التحلي بالهدوء وضبط النفس. وواصل نجاد حملته على رفسنجاني الذي يرأس مجلس تشخيص مصلحة النظام، مشيراً الى ان اموال الجامعات الإسلامية الحرة (آزاد) التي اسسها، تُسخّر في خدمة الحملات الانتخابية لخصمه موسوي. ورد نجاد على منافسيه الثلاثة الذين اتهموه بالكذب في تصريحاته خلال الحملة الانتخابية، واتهمهم بتلفيق بيانات مزورة حول نسب التضخم والبطالة للنيل منه، عارضاً بيانات رسمية تدحض «افتراءاتهم». وعدد الرئيس الإيراني انجازات حكومته، متسائلاً «هل هذا كله كذب؟». وأشار الى نجاح حكومته في «بناء المستشفيات وزيادة عدد الطلاب بنسبة 70 في المئة وإقامة السدود وإيصال الغاز والتيار الكهربائي الى مناطق نائية محرومة»، كما تحدث عن خفض الضرائب والتقدم التكنولوجي في المجال النووي والميادين العلمية الأخرى. وأكد الرئيس الإيراني عزمه على تحقيق العدالة الاجتماعية، خلافاً لمنافسيه الذين اعتبر ان «اداءهم خلال فترة حكمهم كان موضع تشكيك»، متسائلاً عن مغزى توجيه المرشحين الآخرين سهامهم نحوه، كما لو ان الحملة الانتخابية برمتها كانت موجهة ضده. وأوضح نجاد ان اتهامه لزهرة رهنورد زوجة منافسه موسوي بالحصول على دكتوراه في العلوم السياسية في طريقة غير قانونية، كان هدفه تسليط الضوء على «تجاوزات في الجامعات». وإذ منح التلفزيون نجاد نحو 20 دقيقة لعرض وجهة نظره، رفض خصومه الثلاثة عرضاً بمنح موسوي 103 ثوان فقط و76.5 ثانية لكروبي و70 ثانية لرضائي.