كان لحادث قتل الموظفة في السفارة البريطانية في بيروت على يد سائق سيارة أجرة، صدى بقي يتردد أسابيع في بيروت، وتحوّل الأمر أحياناً في الإعلام محاكمةً لشركة «أوبر» صاحبة التطبيق الشهير الذي كان السائق يستعمله. الجريمة حصلت بعد أن أقل السائق الموظفة ريبيكا دايكس عبر تطبيق «أوبر»، من منطقة الجميزة المعروفة مقصداً للسهر، بهدف إيصالها إلى منطقة الأشرفية القريبة حيث تقيم، لكنه بدّل وجهة السير واغتصب الشابة وقتلها ثم ألقى جثتها على أحد الطرق السريعة. التحقيقات أوصلت الأمنيين سريعاً إلى السائق بواسطة كاميرات المراقبة المنتشرة، واعترف الأخير بجريمته سريعاً، وتبيّن أنه من أصحاب السوابق، ما أطلق جدلاً واسعاً حول دور «أوبر» في التحقق من خلفيات سائقيها وأهليتهم. وما فاقم النقاش وجعله يأخذ مجرى التركيز على دور الشركة بدل السائق المتهم نفسه، هو قيام بعض أصحاب شركات التاكسي اللبنانية الخاصة باستغلال الفرصة لشن حملة على التطبيق الذي شكل منافساً قوياً لهم خلال الأشهر الماضية، ويبدو أن مضمون حملتهم يتضمن الكثير من المعلومات غير الدقيقة. الطالبة في الجامعة اللبنانية عائدة الكعكي تقول إنها مستخدمة دورية لخدمة «أوبر» ولم تواجه مشكلة تتجاوز سوء نظافة السيارة أو صعوبة في وصول السائق إلى موقعها، وتلفت إلى أنها مستخدمة نهارية، ولربما بدلت سلوكها لو كانت تستخدم هذه الخدمة في وقت متأخر، فهي لم تغير من اعتمادها على «أوبر» بعد الحادثة على رغم اعتراض أمها. وتلفت الكعكي التي تدرس التوثيق والإعلام إلى أن أمها تأثرت بما عرفت به عبر وسائل الإعلام، ومعظمه خاطئ برأيها، فبعض أصحاب شركات التاكسي الخاصة قالوا إن غالبية سائقي «أوبر» في لبنان من غير اللبنانيين وهذا غير صحيح، وإن «أوبر» تستخدم سيارات بلوحات خاصة بدل العمومية وهذا أيضاً غير دقيق، فهو ينطبق على «أوبر» في بلدان كثيرة لكن ليس في لبنان، والتهمة الأكثر غرابة كانت أن أجور هذه الخدمة مرتفعة جداً وهو ما يتناقض مع شعبيتها وانتشارها العائدين إلى انخفاض كلفتها مقارنة بالشركات الخاصة المحلية. ويقول الشاب منير عنيد أنه يتفق مع ما قالته الكعكي حول ضعف الاتهامات التي كيلت ل «أوبر»، لكنه يرفض استخدام هذا التطبيق لأسباب تتعلق بالخصوصية، فهو قرأ كثيراً حول اتهامات بدت له خطرة حول دور التطبيق في الاطلاع على أماكن تنقل المستخدمين وتخزينها على نحو غير شفاف لا يراعي خصوصية المستخدمين. أما من ناحية الأمان وخلفية السائقين، فهو يدرك أن شركة كهذه تطلب «السجل العدلي» من السائقين العاملين وهو ما يضمن نظرياً التحقق من خلفية السائق وخلوها من الجرائم، لكنه يردف أن «مجتمع سائقي التاكسي» وعلاقتهم المباشرة بأصحاب شركات التاكسي المحلية الخاصة، تتيح تحققاً أعمق وأدق من خلفية السائق وسمعته وإن على نحو غير رسمي. ما يجعل «أوبر» منافساً قوياً للشركات المحلية ومحل طلب المستخدمين المقيمين في لبنان، هو سهولة استخدام التطبيق وعمليته، إذ يوضح الكلفة التقديرية للرحلة قبل البدء بها، ويزود المستخدم باسم السائق وصورته ونوع سيارته ورقم لوحتها وتقويم المستخدمين السابقين لهذا السائق، الأمر الذي يمكّن المستخدم من رفض التاكسي قبل وصوله، وفي حال الموافقة غالباً ما يصل التاكسي بسرعة أكبر من تاكسي الشركات المحلية. والأهم أن كلفته منخفضة مقارنة بالشركات المحلية. مشكلة «أوبر» الحقيقية هي الخصوصية، وهي مشكلة أثارت نقاشات عامة وقضائية في بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة، بخاصة بعد الكلام عن اختراق للتطبيق وسرقة كم ضخم من البيانات، وعلى رغم أن ثقافة الخصوصية لا تبدو واسعة الانتشار في بلداننا العربية. إلا أن التفكير بالأمر يثير الذعر: تخيل حقيقة أن «أوبر» تعرف اسمك ورقم هاتفك وعنوان منزل وعملك وموقعك الحالي وسجل استخدامك لخدماتها باليوم والساعة والموقع، إضافة إلى معلومات بطاقتك الائتمانية! وأن كل هذه المعلومات قد تكون يوماً بتصرف قرصان محتمل استطاع قرصنة هذه السجلات من خوادم «أوبر»! يتفهم سائق تاكسي شاب من سائقي «أوبر» فضّل عدم الكشف عن هويته هذه المخاوف التي يصفها بالجدية، لكنه يشرح أن «هذه مشكلتنا نحن جيل اليوم مع التكنولوجيا»، فمشكلة خرق الخصوصية تطال الكثير من التطبيقات والبرامج الإلكترونية كالبريد الإلكتروني ومواقع التواصل الإجتماعي على اختلاف أنواعها، الأمر الذي يضعنا أما خيارين: إما استخدام هذه التكنولوجيا بوعي وحكمة، أو البقاء خارج الزمن و»العيش في العصر الحجري». يضيف السائق متحدثاً عن خبرته مع أغلب شركات التاكسي المحلية، معتبراً أنها هي أيضاً لا تراعي الخصوصية، فمعظم السائقين يعرفون الكثير عن زبائن الشركة من خلال عملهم، بل إن الراكب يستطيع طوال رحلته أن يسمع عبر جهاز اللاسلكي الذي تعتمده أغلب الشركات تواصل المكتب الرئيسي مع السائقين ليوزع عليهم الطلبات بالأسماء والعناوين وأرقام الهواتف، أي أن الراكب يستطيع معرفة اسم شخص ما وعنوانه ورقم هاتفه بمجرد وجوده في تكسي آخر للشركة ذاتها. يرى هذا السائق، إلى جانب سائقين آخرين، أن الإقبال على «أوبر» لم يتأثر في شكل ملموس بعد الحادثة، ويرى في نظام «أوبر» لتقويم السائقين من المستخدمين نظاماً جيداً وفعالاً يتيح «غربلة» السائقين وإبقاء الأفضل منهم شرط التزام المستخدمين أداء هذا التقويم بطريقة دائمة وموضوعية. قد لا يكون التصويب على «أوبر» من زاوية الأمان في محله، على الأقل من حيث إجراءات التوظيف والمقارنة مع البدائل المحلية الأخرى، لكن مشكلة خرق الخصوصية مشكلة جديّة وإن كانت لا تؤخذ بجدية كافية، وهي مشكلة تطال الكثير من التطبيقات والبرامج التي نستخدمها على نحو يومي، ومشكلة يجب أن تأخذ حيزاً أكبر من النقاش والاهتمام في مجتمعاتنا العربية بدل القول الشائع في هذا المجال «ليس لدي ما أخافه أو أخفيه»، إذ يعلق أحد المهتمين بقضايا الخصوصية الإلكترونية على هذا القول بقوله، «كلنا نعلم ماذا تفعل في الحمام، لكنك على رغم ذلك تقوم بإغلاق الباب على نفسك»!