استغرب رئيس وزراء إثيوبيا ملس زيناوي قلق مصر من قرار أديس أبابا تدشين الأعمال الإنشائية لبناء سد ضخم على النيل الأزرق، وهو أحد نهري النيل. وقال إنه يعتقد أن مصر ليست راغبة ولا قادرة على شنّ حرب من أجل المياه، مؤكداً أن بلاده لم تتعرض طوال تاريخها العريق لغزو أجنبي. واتهم زيناوي جارته أريتريا بمحاولة زعزعة أحدث دولة في القارة السمراء، وهي جنوب السودان، مؤكداً استمرار التوتر في علاقات أديس أبابا مع أسمرا، لكنه قال ل «الحياة» إن بلاده لن تكون طرفاً في مساعي المعارضة الأريترية لتغيير نظام الرئيس أسياس أفورقي. وشدد - في مقابلة أجرتها معه «الحياة» في أديس أبابا - على أن المساهمة «الخجولة» لإثيوبيا في الشأن الصومالي تنبع من رغبة أديس أبابا في الموازنة بين من ينظرون إلى مساهمتها باعتبارها واجباً تفرضه علاقة الجوار وبين من يعتبرونها غزواً لدولة مجاورة. وقال إن إثيوبيا تحتفظ بعلاقة طيبة مع دولتي شمال السودان وجنوبه، داعياً السودانيين إلى تبني خيار الفيديرالية لحل المشكلات التي أدت إلى الانفصال. وأوضح زيناوي أن بلاده مستمرة في سياسة استبدال قادتها بجيل جديد أصغر سناً، مؤكداً تمسكه بقراره اعتزال العمل القيادي، ليتفرغ للكتابة والبحث، في سابقة بالقارة الأفريقية. وذكر أن الدول العربية كانت محقة في طلبها من مجلس الأمن الدولي التدخل في ليبيا، لمنع وقوع حمام دم في المدن المنشقة على نظام العقيد معمر القذافي. وأشار إلى ما يعتبره إنجازاً لحكومته في مجالات تحقيق الأمن الغذائي ومكافحة الفقر والملاريا ومرض الأيدز. في ما يلي نص المقابلة: ما طبيعة العلاقات بين إثيوبيا والسعودية؟ وهل تبذلون جهوداً لتلبية حاجات المستثمرين الزراعيين السعوديين في بلادكم؟ - علاقاتنا مع السعودية ممتازة، والمملكة هي أحد أكبر ثلاثة شركاء تجاريين لإثيوبيا. وهي أحد أكبر مصادر الاستثمار الأجنبي المباشر في بلادنا. كما أن أكبر مستثمر في إثيوبيا هو رجل أعمال سعودي علاقاته قوية جداً مع بلادنا. وهناك مستثمرون سعوديون كثر في مجال الزراعة. العلاقات بين حكومتي البلدين ممتازة أيضاً، ولعل التبادل التجاري والاقتصادي يعكس ذلك. ... ومتوترة مع اريتريا لا تزال علاقاتكم مع أريتريا مشوبة بالتوتر، لكن معارضي الرئيس أسياس أفورقي يشكون قلة الدعم الذي تقدمونه إليهم... - العلاقة بين أريتريا وكل دول المنطقة اتسمت بالنزاع. إذ خاضت أريتريا خلال ال 20 عاماً التي أعقبت استقلالها حروباً مع كل دول الجوار. فقد حاربت السودان وإثيوبيا وجيبوتي واليمن. الجار الوحيد عبر البحر الأحمر الذي لم تحاربه أريتريا هو المملكة العربية السعودية. كما أن أريتريا ظلت فاعلة في زعزعة استقرار الصومال وإثيوبيا وجيبوتي واليمن، وكانت لها صلة بالحوثيين، وفي السودان ساندت متمردي دارفور. والآن هناك دولة جديدة في أفريقيا هي جنوب السودان. انظروا ماذا فعلت أريتريا؟ إنها تساند ميليشيا القائد الجنوبي المنشق الجنرال جورج أتور. هناك معلومات من مصادر موثوق بها في هذا الخصوص. هكذا نرى أن النظام الاريتري لم يستقر على حال، ولم يعمد إلى الالتزام بالقانون الدولي. لذلك ليس هناك ملمح فريد في العلاقة المتوترة بينه وإثيوبيا. تلك هي الأساليب التي يعمل بها. ربما كان بعض أطراف المعارضة الأريترية مُحقَّين في شكواهم من عدم تلقي دعم أثيوبي كافٍ لمساعيهم. وسياستنا ظلت تتمثل في بذل جهود لضمان عدم السماح لاريتريا بزعزعة استقرار بلادنا، والتركيز على مساعي تنميتها، وتجاهل النظام الاريتري. وتفادينا بكل السبل أن نحاول تغيير سياساتها، أو تغيير حكومتها. ووصلنا إلى خلاصة أخيراً مفادها أنه يجب علينا أن نحاول في هذه المرحلة تغيير سياسات الزعزعة التي يقوم بها النظام الاريتري، من خلال ممارسة ضغوط ديبلوماسية واقتصادية وغير ذلك، في إطار القانون الدولي، ولذلك لن يدهشني أن يقال إننا لا نساند المعارضة الاريترية بما فيه الكفاية. الصومال... الحكومة الانتقالية تحرز نجاحات في الصومال، على رغم أهمية دور إثيوبيا، اختارت حكومتكم النأي عن الفرقاء الصوماليين، تاركة بلادهم نهباً لمقاتلي الحركات الإسلامية المتطرفة التي يمكن أن تهدد المنطقة كلها... - أحياناً نجد أنفسنا في موضع تصب فيه علينا اللعنات إن فعلنا وإن امتنعنا. لذلك نحاول الموازنة بين واجبنا في مساعدة الصوماليين على إعادة بناء دولتهم، وبين التزام الحذر لئلا ينظر إلينا باعتبارنا غزاة، وليس جيراناً مساندين لشعب دولة مجاورة. وتتجه أفضلياتنا في هذه المرحلة إلى شيئين: أولاً – مساندة جهود الاتحاد الأفريقي من دون الزج بقواتنا. وثانياً – مساندة الحكومة الانتقالية الصومالية والقوى الصومالية الأخرى التي تقاتل «شباب المجاهدين». إننا نوفر لها تدريباً ومساعدات أخرى. وفي الأسابيع الماضية فقد مقاتلو «الشباب» زخمهم العسكري الذي أضحى الآن بيد الحكومة الانتقالية. ويعزى ذلك إلى جهود الصوماليين أنفسهم، وإلى جهود المجتمع الدولي، وإثيوبيا جزء منه. جنوب السودان سيكون بعد شهرين أحدث دولة في أفريقيا لها حدود طويلة مع إثيوبيا، كيف ستتعاملون مع هذا الواقع الجديد؟ - هذه المسألة ليست فريدة بالنسبة إلينا مع جنوب السودان، فهناك قبائل صومالية – إثيوبية، والشيء نفسه ينطبق على التداخل العرقي بيننا وبين جيبوتي وإريتريا والسودان. وبالنسبة إلى السودان هناك قبائل شمالية وأخرى جنوبية لها تداخل مع قبائل إثيوبيا تلك هي الطبيعة الجغرافية للمنطقة. ولكن ما تتميز به العلاقة بالنسبة إلى السودان أن إثيوبيا تحظى بثقة كل من الشمال والجنوب السودانيين. وأعتقد أننا بعدما قرر الجنوبيون إقامة دولتهم الخاصة بهم نريد أن تكون علاقتنا معهم مبنية على حسن الجوار، مثلما هي علاقتنا الراهنة مع السودان الشمالي. لماذا السدود على روافد النيل؟ السدود التي تنشئونها على الأنهر التي ترفد نهري النيل (الأبيض والأزرق) تثير حفيظة مصر التي هددت بغزو إثيوبيا لهذا السبب. كيف تبرر قيام السدود، خصوصاً «سد الألفية»؟ ولماذا لا تتصلون بمصر لإزالة التوتر؟ - كما تعلم ظللنا طوال السنوات العشر الماضية نبني سدوداً، لكنها صغيرة، ومنها سد على نهر تكازي الذي يعرف بنهر عطبرة عند وصوله إلى السودان، باستخدام مواردنا الخاصة، لإنتاج 350 ميغاواط. وبنينا نفقاً تحت بحيرة تانا (التي ينبع منها نهر النيل الأزرق) يبلغ طوله 18 كيلومتراً، وهو أيضاً أنشئ بمواردنا الخاصة، لتوليد 420 ميغاواط. عموماً ظللنا نوسع قدراتنا على توليد الكهرباء ببناء سدود صغيرة. وننوي تعبئة الشعب في إثيوبيا والشتات لمشروع «سد الألفية». يبلغ تعداد شعبنا 80 مليون نسمة. ونحن في حاجة إلى ما يعادل 3.3 بليون يورو، وإذا قسمنا هذا المبلغ على أفراد شعبنا فسنجد إنه ليس صعباً على الإثيوبيين أن يجمعوه. ونعتقد أنه سيكون بوسعنا توفير تلك الموارد المالية في غضون خمس سنوات. سنصدر سندات خزينة، وتجاوب الشعب الإثيوبي كان إيجابياً وأعطانا الثقة بأننا سنوفر التمويل المطلوب. في ما يتعلق بالتكنولوجيا اللازمة لبناء هذا السد الضخم، تتولى شركة إيطالية أشغال الهندسة المدنية، وهناك شركة محلية ستتولى أشغال المقاولات، إلى جانب شركات مقاولات عالمية. بالنسبة إلى سؤالك عن مصر، حقيقة لا أعرف ما هو سبب قلق المصريين، فكما تعلم توليد الكهرباء من السدود لا يستهلك مياهاً، ولا ينطوي على تحويل مجاري الأنهر. لذلك لا يمكنهم القول إننا بتوليد الكهرباء سنستغل مياهاً من حقهم أن يستغلوها. لأننا لن نستهلك تلك المياه، نحن فقط نقوم بتنظيم تدفقها حتى تنتج التوربينات الكهرباء. السودانيون يفهمون ما نقوم به وليست لديهم مشكلة حيالنا. ويجب أن يكون المصريون قادرين على فهم ذلك، ويبدو أنهم يعانون من مشكلة. ونحن في حيرة إزاء ذلك. كيف قرأتم التهديدات المصرية بحرب ضد بلادكم لمنع تحويل مجاري الأنهار التي تغذي مياه النيل؟ - حسناً، من يقرأ تاريخ إثيوبيا سيدرك أنها لم تخضع للاستعمار. لم تقم أي قوة بغزو بلادنا على مر العصور. واعتقد أن المؤسسة التي تحكم مصر تعرف ذلك جيداً. ولا أعتقد أن لديها الرغبة الحقيقية ولا القدرة على احتلال إثيوبيا. نحن نعيش في القرن ال21 وليس ال19 الذي حاول فيه المصريون غزو إثيوبيا، لكن ملوكنا ألحقوا بهم الهزيمة. لذلك لا أعتقد أن لديهم رغبة من ذلك القبيل. وأعتقد أنه لا توجد دولة تملك القدرة على غزو دولة ذات سيادة، وهو أمر حتى القوى العظمى تجده صعباً عليها. لكن مصر تتهم إثيوبيا بمحاولة حجز المياه وتحويل مجاري الروافد التي تغذي النيل... - ذلك غير صحيح على الإطلاق، إذ قلت لك إن «سد الألفية» ليس سداً لري الزراعة. ولا توجد أصلاً أرض قابلة للزراعة في تلك المنطقة ليقال إنه سيرويها بمائه. السودان وحده هو الذي باستطاعته استخدام «سد الألفية» لأغراض الري، لكن إثيوبيا لن تستطيع. فهو يقع على بعد 40 كيلومتراً من حدود السودان، ويقع على منحدر صخري عميق. ولذلك لا يسعنا استخدامه في شيء سوى توليد الطاقة الكهربائية. وللحقيقة، لم نتلق أي شكوى من السودان، لأن الخرطوم تعرف منافع هذا السد بالنسبة إليها، لأنه لن يحدث بعد بنائه أي فيضان لنهر النيل في الخرطوم. كما أن السودان سيحقق فائدة أخرى، إذ إنه ظل يعاني من كثرة الطمي الذي عطل توربينات «خزان الرصيرص»، ما يسبب انقطاعات في التيار الكهربائي، وبعد بناء «سد الألفية» ستواجه إثيوبيا، وليس السودان، مشكلة الطمي داخل أراضيها، وسيصبح «خزان الرصيرص» أكثر جدوى، وحين يتحقق ذلك فسيكون بوسع السودان التوسع في زراعة «مشروع الجزيرة» الزراعي الشهير. لذلك نشعر بالحيرة حقاً لأننا لا نعرف لماذا يعارض المصريون إنشاء «سد الألفية»، فهو لن يؤثر في جريان مياه النيل، ولن نستخدمه في الزراعة. المصريون منشغلون... لوحظ أن رئيس وزراء مصر عصام شرف زار الخرطوم وطلب من السودان إجراء اتصالات مع إثيوبيا في شأن مياه النيل. هل العلاقات بينكما سيئة إلى درجة عدم وجود اتصالات بين البلدين؟ - أعتقد أن المصريين منشغلون بشؤونهم الداخلية، ولم يجدوا فرصة للتواصل معنا. وهو أمر نتفهمه. وقد قاموا بزيارة للسودان وأوغندا، ولعله أمر مثير أنهم لم يزوروا إثيوبيا بعد. لكننا نأمل بأن يتمكنوا من التواصل معنا قريباً. مع هبوب رياح الثورات العربية أضحت الشعارات الجديدة تتركز في مطالبة الحكومات بالاستماع إلى شعوبها. هل يستمع رئيس وزراء إثيوبيا إلى صوت شعبه؟ - ذلك مؤكد، وذلك هو السبب وراء بنائنا السد وتنفيذ برامج مكافحة الفقر. نحن عاقدو العزم على أن نبذل قصارى جهدنا لمحاربة الفقر والمرض اللذين يعاني منهما 80 مليون إثيوبي. وأحسب أننا نجحنا في ما سعينا إليه، إذ إن اقتصادنا مزدهر منذ سبع سنوات، ويحقق نمواً ملموساً، بل فيه توزيع عادل للثروة يضع إثيوبيا في المرتبة الأولى أفريقياً في هذا الشأن. كل ذلك يجعلنا مرتاحين إلى أننا نستمع فعلياً إلى صوت الشعب ومطالبه. لكن الزائر لإثيوبيا سرعان ما يخرج بانطباع مفاده بأن مكافحة الفقر تمضي ببطء شديد... - أعتقد أنك يجب أن تنظر إلى هذا الشأن من زاويتين، إذ إننا خلال العشرية الأولى من تسلمنا الحكم ظللنا نحقق نمواً في الاقتصاد بنسبة 5 في المئة سنوياً، وهو معدل لم يكن كافياً بالنظر إلى نسبة الفقر في البلاد. وخلال السنوات السبع الماضية ظللنا نحقق نمواً اقتصادياً بنسبة 11 في المئة، وهو من أسرع معدلات نمو الاقتصاد في العالم. وعلى رغم أن معظم المحللين ليسوا متعاطفين مع سياسات إثيوبيا، إلا أنهم وضعوها ضمن الدول الخمس الأفضل أداءً اقتصادياً في العالم. لذلك أعتقد أن أي شخص مكث في إثيوبيا خلال السنوات السبع الماضية يقر بحدوث تغير اقتصادي كبير. لكن ذلك التحسن كله ليس كافياً لمكافحة الفقر بالضراوة المطلوبة، ولا يزال يتعين علينا أن نبذل جهداً أكبر لتحقيق نمو اقتصادي أطول زمنياً. سبع سنوات من النمو ليست فترة كافية لكبح الفقر. حتى البلدان التي نجحت على هذا الصعيد، مثل كوريا وتايوان، استغرقها الأمر 30 أو 40 عاماً لبلوغ تلك النتيجة. وأعتقد أن أثيوبيا لن تكافح الفقر في مدى زمني يقل عن ذلك. يهمنا أننا نتحرك في الاتجاه الصحيح، وأعتقد أن المجتمع الدولي يدرك ذلك. الحالة الليبية معقدة بحكم أن بلادكم تستضيف مقر الاتحاد الأفريقي وتنشط في مجال الوحدة الأفريقية منذ عام 1963، كيف تنظرون إلى ما يحدث في ليبيا من تشجيع للانقسام وتدمير للبنى الأساسية وممارسة ضغوط خارجية لرحيل نظام العقيد معمر القذافي؟ - الحالة الليبية تتسم بتعقيد شديد للغاية، على النقيض من تونس ومصر. إنها تشترك معهما في كونها ثورة شعبية عربية، لكنها تختلف عنهما في أنها كانت دموية جداً، وهو أمر مؤسف، بيد أنه أحد أسباب الورطة الراهنة. الذين استمعوا إلى خطابات الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي على شاشات التلفزيون شعروا بالرعب والفزع والقلق العميق من احتمال حدوث حمام دم في الجزء الشرقي من ليبيا، خصوصاً في بنغازي. ربما ضاع جانب من معاني ما قاله القذافي بسبب الترجمة، لكن الترجمة التي استمعت إليها من قناة الجزيرة القطرية باللغة الانكليزية مرعبة جداً. لذلك لم يكن مفاجئاً لي أن يتحدث المندوبون لدى الجامعة العربية عن مجازر محتملة في بنغازي، وضرورة القيام بعمل لمنع وقوعها، وتبعاً لذلك طلبوا من المجتمع الدولي التدخل. وهو أمر لم يطالب به الاتحاد الأفريقي، بل الجامعة العربية. إنني استطيع تفهم ذلك الطلب ومبرراته، لأنني استمعت إلى خطاب القذافي وشعرت بالرعب من احتمال وقوع حمام دم في بنغازي، شبيه بما حدث في رواندا. لكن ذلك لا يعني أن كل ما تقوم به الدول الكبرى هو الإجراء السليم أو العادل. وقد اتخذ الاتحاد الأفريقي موقفاً واضحاً ينادي بعدم استخدام القوة المفرطة ضد المدنيين، وهو أمر لا نسانده إذا حدث، حتى لو جاء من جانب القذافي أو أي حاكم آخر. وينادي أيضاً بضرورة احترام حق الشعب الليبي في الإصلاح، ولا بد من أن يكون هناك حوار. تلك المجازر وحمامات الدم ظلت تحدث يومياً على مدى أشهر في ساحل العاج، ولم يطالب أحد بتدخل دولي أو تنصيب الرئيس المنتخب بالقوة... - في حالة ساحل العاج، أبلغ الاتحاد الأفريقي الرئيس المنتهية ولايته لوران غباغبو بمغادرة السلطة بعد خسارته في الانتخابات الرئاسية. وفي الوقت نفسه طالب الاتحاد الأفريقي الطرفين هناك بالدخول في حوار. وهو ما يؤكد اتساق مواقف الاتحاد الأفريقي حيال أي نزاع في أرجاء القارة الأفريقية. ولم يتخذ الاتحاد الأفريقي موقفاً كذلك حيال اليمن، لأنه على رغم جيرته لنا، إلا أنه ليس عضواً في الاتحاد الأفريقي. نحاول تلبية مطالب الشباب تعزى غالبية الثورات التي تجتاح العالم العربي إلى تفشي البطالة بين الشباب. هل توفرون أشغالاً كافية لشبابكم لمنع اندلاع أي انتفاضة؟ - مهما وفرنا من وظائف فهي لا تكفي، ولكن لحسن حظنا أن نحو 85 في المئة من شبابنا يوجدون في الريف. في المناطق الريفية سياستنا أن يحصل كل فرد على الأرض، وهذا ساعدنا في تلبية مطالب الشباب. لكننا بالطبع نواجه تحديات، إذ إننا نسعى إلى استحداث وظائف في المناطق الحضرية، خصوصاً أن اقتصادنا منتعش، لكن عددها دوماً لا يكفي المحتاجين إلى وظائف. لا تزال لدينا بطالة. تعاني إثيوبيا من انتشار مرض النقص المكتسب في جهاز المناعة (أيدز). هل استطعتم إحراز أي تقدم في مكافحته؟ كما تعاني بلادكم من أمراض مستوطنة أخرى كالملاريا... هل نجحتم في لجمها؟ - أعتقد أننا حققنا نجاحاً كبيراً في كبح الملاريا، وشهدت لنا جهات عدة بأننا إحدى ثلاث دول نجحت في هذا الشأن. لم نقض عليها تماماً، لكننا كافحناها بدرجة كبيرة. «الأيدز» لا يزال مشكلة في بلادنا، لكننا أيضاً أحرزنا تقدماً في مكافحته، وشهدت لنا جهات دولية بأننا نموذج جيد للآخرين في هذا المجال. ونتوقع إحراز نجاح كبير بحلول عام 2015 لجهة تحقيق أهداف الألفية في المجال الصحي. تجديد القيادة أعلنتم أخيراً نيتكم في التقاعد لإتاحة الفرصة لجيل أكثر شباباً لقيادة البلاد وتجديد دماء الإدارة الحكومية. هل يقتصر هذا التجديد على القيادات العليا أم أنها سياسة منهجية في كل قطاعات الإدارة؟ وماذا ستفعل بعد التنحي؟ - الواقع أن عملية الإبدال والتجديد ظلت ماضية منذ فترة على المستوى القاعدي فصاعداً. وأضحى متوسط عمر قياداتنا الوسيطة دون ال30 عاماً. لكن القيادات العليا أكبر سناً. وقررنا أن يتم تغيير تلك القيادات الكبيرة السن نسبياً، إذ إن غالبيتهم في أواسط العقد الخامس من أعمارهم. وسيحل محلهم قادة في أواخر العقد الثالث ومطلع الرابع. وهي عملية شاملة لكل قواعد الحزب الحاكم، وسيكون تغيير القيادات العليا هو مرحلتها الأخيرة. بالنسبة إلى تقاعدي، فإنني أتطلع إلى يوم لا تكون فيه عندي وظيفة تقتضي التفرغ التام للعمل. لكن التقاعد لا يعني أني لن أقوم بأي شيء. رغبتي تنصرف إلى دراسة قضايا التنمية في إثيوبيا. أريد أن أؤلف وأكتب، وأعدُّ أبحاثاً ودراساتٍ. ولكن ليس على أساس التفرغ. لكنك لا تزال شاباً... - نعم، لكني ظللت أعمل في السياسة منذ كان عمري 19 سنة. قضيت 17 عاماً في الكفاح المسلح، و20 عاماً رئيساً ورئيس وزراء لبلادي. كل ذلك له وَقْعُه على حياة الإنسان. أعتقد أنني استحق إجازة طويلة، على رغم أنني طبقاً للمعايير الدولية لست طاعناً في السن. هل أنتم راضون عن انفصال السودان إلى دولتين؟ ألم يكن بمستطاعكم إقناع السودانيين بالاقتداء بتجربة الجبهة الثورية لشعوب إثيوبيا التي منحت كل القوميات والعرقيات حق تقرير مصيرها حتى لو أدى إلى الانفصال؟ - من أهم الأسباب التي جعلت علاقاتنا وطيدة للغاية مع إخوتنا السودانيين في الشمال والجنوب أننا نحترم بصدق رغباتهم. ونؤمن بحق أنه لا يجوز لنا أن نشرح لهم كيف يديرون بلادهم. نستطيع اقتسام تجاربنا معهم باعتبارهم إخواناً لنا، يمكننا أن نقول لهم إن هذا القرار أو ذاك يمكن أن يلحق بكم ضرراً أو يساعدكم. لكننا في نهاية المطاف لا نملك إلا أن نسلِّم بقرارهم، باعتباره رغبتهم واختيارهم. وقد تناقشنا مع قادة الشمال والجنوب السوداني حول الانفصال. وأعتقد أن قادة الشمال بدأوا يهتدون إلى أن الفيديرالية يمكن أن تكون جزءاً من الحل. ومع أن ذلك جاء متأخراً، إلا أن الوقت لم يَفُتْ بعد. هناك من يرون أن انفصال الجنوب والشمال يعني نهاية التاريخ في السودان. وهو حدث مؤسف، لكنه ليس نهاية التاريخ. سيبقى السودان بعد الانفصال. السودان يشبه أثيوبيا السودان الشمالي سيظل متنوعاً وسيبقى بلداً أفريقياً. وكذلك جنوب السودان. وبسبب ذلك التنوع ثمة مكان لعملية فيديرالية. وأرى ثمة تشابهاً مع حال إثيوبيا، إذ طبقنا الفيديرالية بعد استقلال أريتريا. لم يكن ذلك متأخراً جداً بالنسبة إلى بلادنا. وبالمثل يمكن السودان الشمالي أن يطبق الفيديرالية بعد انفصال الجنوب. وأنا على ثقة بالسودانيين الذين عرفتهم جيداً، فهم من بين أكثر الناس انفتاحاً وكرماً ممن عرفت. وبهذا النوع من الشخصية سيخدمون بلادهم مهما كانت العثرات. بطبيعتهم تلك المسألة ستكون مسألة وقت قبل أن يغيروا الأمور إلى الأفضل. على رغم إنجازات حكومتكم في الاقتصاد والصحة والفيديرالية، يبدو أن الثقافة والإعلام في إثيوبيا لا يتصدران أولوياتكم مع أن إثيوبيا غنية بتراثها وطبيعتها ومناخها... - كل ما تقوله صحيح. برامجنا التلفزيونية بدائية، الثقافة الإثيوبية لا تزال نابضة، لكنها تعاني من هيمنة ثقافة العولمة بحيث لا تجد طبيعتها المميزة مجالاً للظهور. لا أستطيع القول إننا أولينا هذه القضايا اهتماماً مماثلاً لما أوليناه قضايا أخرى كالمأكل والدواء، ربما لأننا شئنا أن نتفادى وقوع مجاعة أخرى، وهي القضية التي استولت على صدارة اهتمامنا. لكننا بدأنا الآن نفكر في ما وراء تلك القضايا، إذ عمدنا إلى الاستثمار في الإعلام برقمنته، وامتد الأمر إلى قطاع الاتصالات بأسره. معظم وزرائنا المعنيين يقومون حالياً بزيارات للخارج، ليس للقاء شخصيات أجنبية، بل لتواصل الإثيوبيين في الشتات (الدياسبورا) في محاولة لمساعدتهم ودعمهم. هكذا ترى أننا بدأنا نستثمر في هذه المجالات، لكنه بالطبع جهد ليس كافياً. المجاعة... من الماضي هل لا تزال إثيوبيا تخشى شبح المجاعة؟ - أكثر من 20 عاماً ولم تحدث مجاعة في بلادنا. لذلك أضحت المجاعة شيئاً من الماضي. صار بمستطاعنا أن نوفر غذاء لشعبنا. وإذا حدث نقص فنحن قادرون على الاستيراد. وأتوقع في غضون سنتين أو ثلاث سنوات أن يكون بمقدورنا تحقيق الاكتفاء الذاتي غذائياً، بل تصدير ما يفيض عن حاجتنا. أعتقد أن إثيوبيا والسودان يجب ألا يعانيا من الجوع مطلقاً، فهناك موارد طبيعية كافية لأن يصبح البلدان سلتي غذاء لشعبيهما وللآخرين. وإذا أردت الدقة، فإننا نجحنا في تفادي حدوث مجاعات، لكننا لم نحقق الأمن الغذائي الكامل، وهو ما نتوقع حدوثه خلال العام المقبل أو نحو ذلك. توسعت إثيوبيا في التعليم العالي خلال السنوات الماضية. هل أنت راضٍ عن مستوى الجامعات الجديدة؟ هل هناك إنصاف ومساواة تتيح بروز المواهب كما كان يحدث قبل عقود؟ - أنا سعيد وغير راضٍ في آن واحد. سعيد جداً لأن التعليم الابتدائي لم يعد يقتصر على قلة محظوظة من التلاميذ. أذكر أنني حين ذهبت إلى المدرسة الابتدائية كنت ضمن قلة من المحظوظين بتلك الفرصة. الآن غدا التعليم الابتدائي متاحاً لأكثر من 97 في المئة من الإثيوبيين. وحين ذهبت للتعليم الجامعي كنا أقل من ألف طالب يقبلون كل عام. وحين توليت الحكم زدنا عدد المقبولين إلى ثلاثة آلاف سنوياً. حالياً ارتفع عدد المقبولين بالجامعات إلى أكثر من 100 ألف طالب سنوياً. بدلاً من جامعة وحيدة، أضحى لدينا 23 جامعة، وشرعنا في بناء 10 جامعات إضافية. ذلك كله مصدر سعادة غامرة بالنسبة إلي. لكنني لست راضياً عن جودة التعليم لدينا في كل المراحل الدراسية. وأعتقد أن ثمة مجالاً لإحداث تحسن كبير في جودة التعليم. نحاول أن نسبغ مسحة ديموقراطية على سبل الالتحاق بالمدارس والجامعات، بحيث يصبح بمستطاع كل طفل الذهاب للمدرسة. بهذه الطريقة ستتوافر لكل طفل فرصة تحقيق طموحه، ووجود أساتذة يكتشفون مواهبه وقدراته. وحققنا تقدماً كبيراً في هذا المجال.