عندما ألّف الإيطالي لويجي شيروبيني في عام 1833 أوبرا «علي بابا والأربعين حرامي»، انصبّت عليه الانتقادات اللاذعة، بسبب ضعف الموسيقى والنص مقارنة بالنص الشرقي الأصلي لأسطورة علي بابا، ومقارنة بالأعمال الموسيقية السابقة التي كان ألفها شيروبيني نفسه لا سيما «كوغورجي» و«ريكويام لأصوات رجالية على نمط ري مينور الموسيقي». لكن المؤلف الإيطالي توسكانيني عدّل بالنص والموسيقى عام 1949، وحوّل «علي بابا» في حلته الأوبرالية إلى استعراض جيد دخل في نهاية الأمر إلى سجل تاريخ الأوبرا من أوسع أبوابه، قاصداً بذلك احتقاره علناً زميلَه الراحل شيروبيني. ولكن أوبرا باريس لم تقرر تقديم هذه النسخة الأخيرة المشهورة بجودتها عام 2011 على مسرح أثينيه الكلاسيكي، بل فضلت عليها تلك التي ألفها شيروبيني في القرن التاسع عشر وسلمتها كما هي إلى المخرج بيار تيلوا المنتمي إلى فرقة أوبرا «استوديو راين» المرموقة، ليستخرج منها ما هو جدير بالعرض أمام جمهور أوبرا باريس المعتاد مشاهدة أفضل ما هو متوافر في هذا الميدان. وأول ما فكر فيه تيلوا، تسليم أدوار اللصوص إلى مجموعة من الأطفال تتراوح أعمارهم بين العاشرة والثالثة عشرة، مبتكراً فكرة جديدة كلياً في الاستعراضات الأوبرالية ومحققاً ضربة تجارية لا تقبل النقاش. أما عن النص، فاختصره تيلوا حاذفاً منه أكثر من نصفه تاركاً العناصر الأساسية في الحبكة فقط والتي تدور بين شخصية علي بابا واللصوص الذين يحيطون به. وهكذا تحول الإيقاع من بطيء مثير للملل إلى سريع ينبض بالحياة ويزخر بالحركة وبالموسيقى الجميلة المصاحبة للحوار والتي تشكل أيضاً جوهر الأغنيات التي تتخلل الأحداث. ولم يبتكر تيلوا أي لحن جديد، بل اكتفى بحذف الكثير من مقاطع ألحان شيروبيني وبخلق هوية جديدة متماسكة للعرض في مجمله وهذا أصعب ما كان في الموضوع من تحدٍّ، إذ إن الحذف يمكنه أن يأتي بنتيجة مفكّكة وغير واضحة بالنسبة للمتفرج. لكن تيلوا نجح في الامتحان بتفوق، بدليل الإقبال الكثيف على «علي بابا والأربعين حرامي»، إضافة الى إجماع غالبية النقاد على أن «الأوبرا عبارة عن تحفة فنية لا بد من الإسراع لمشاهدتها». أما عن الأطفال الذين يقفون على الخشبة ويغنون ببراعة مثل الكبار، فهم أعضاء في فرقة «أوبرا سترازبورغ» وهي مختصة في تعليم فن الأوبرا إلى الصغار في إطار برنامج يتضمن فتح هذا المجال أمام أطفال العالم، من طريق الاشتراك في مسابقة سنوية تسمح للمتفوقين فيها بالالتحاق بدار «أوبرا سترازبورغ» وبمدرستها، علماً أن عدد المقبولين في كل عام لا يزيد عن العشرة. وأسند تيلوا دور علي بابا إلى مغني الأوبرا الباريتون جان غابريال سان مارتان، بينما يقود الأوركسترا فنسان مونتاي وهو المدير السابق لأوبرا مدينة تولوز الذي التحق حديثاً بفرقة أوبرا «استوديو راين» وبعمله المشترك مع تيلوا.