طغى الهاجس السياسي على تعاطي شبان اليمن مع نبأ مقتل زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن الذي تعود أصوله إلى منطقة حضرموت. وفرضت المواجهة التي يخوضها الشبان المحتجون مع النظام الحاكم التعامل مع الخبر بحذر شديد خوفاً من أن يؤدي أي تعاطف قد تظهره الساحات مع بن لادن إلى الإضرار بقضيتهم فيما تلقى الحزب الحاكم خبر الحادثة ليضاعف من دعايته ضد معارضيه والتهويل بمخاطرهم معتبراً إياهم نسخة يمنية من حركة «طالبان». وحرص القائمون على ساحات الاحتجاج التي تضم عشرات آلاف الشبان المطالبين برحيل الرئيس اليمني، على وضع تدابير تضمن ألا تؤثر الحادثة على قضيتهم ومطالبهم. وشددت اللجان التنظيمية للساحات من إجراءاتها لمنع دخول صور بن لادن إلى الساحات. ونشرت صفحات الثورة الشبابية على موقع «فايسبوك» تحذيرات تدعو الشبان المعتصمين الى «عدم الخوض في مسألة مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وعدم رفع صور أو لا فتات أو ذكر بن لادن»، لأن «النظام يخطط لاستغلال هذه المسألة». وأشيع أن أجهزة الاستخبارات طبعت آلاف الصور لأسامة بن لادن بهدف تسريبها الى الساحات ورفعها ليقوم النظام بعد ذلك بضرب المعتصمين بذريعة وجود عناصر من «القاعدة» بينهم. وحذر «تكتل وطن للثورة الشبابية الشعبية في اليمن» من احتمال تنفيذ النظام هجمات ضد المصالح الأجنبية في اليمن وتسويقها للمجتمع الدولي باسم الإرهاب كرد فعل على مقتل بن لادن. ولكن، وعلى رغم كل الإجراءات الاحترازية، هناك من أظهر تعاطفاً مع زعيم «القاعدة» داعياً الله «أن يرحم الشيخ الشهيد» ولكن ناصحاً في الوقت ذاته ب «عدم إظهار المشاعر في الوقت الحالي على الأقل وفي مثل هذه الظروف». ومن الشباب اليساريين والقوميين من يشكك بحقيقة «القاعدة» ويعتبرها أكذوبة أميركية صنعت لأغراض انتخابية داخلية ونهب ثروات المنطقة العربية والتدخل في شؤونها. وأدت الطريقة والسرعة التي جرى فيها التخلص من جثة بن لادن الى تعزيز شكوك هؤلاء ودعم نظرية المؤامرة لديهم. ومعروف أن ثمة يمنيين عملوا مع بن لادن وجاهدوا في أفغانستان وكانت المدارس الدينية المعروفة باسم «المعاهد العلمية» مثلت حاضنة عقيدية وتدريبية لتخريج كثيرين منهم. وبعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) قررت الحكومة، وبضغط أميركي، دمج هذه المدارس بوزارة التربية والتعليم. إلا أن كل تلك الوقائع لا تقنع هؤلاء الشباب ولا تضعف مقولتهم. وتتشكل ساحات الاحتجاج المنتشرة حالياً في عدد من المدن اليمنية من جماعات سياسية وطائفية مختلفة إضافة إلى مشاركين مستقلين. وأبرز الاتجاهات الشبابية حضوراً في الساحات هم الإسلاميون والقوميون واليساريون. ومن بين شبان «حزب الإصلاح» وطلاب جامعة الإيمان من يبدي تأييداً صريحاً لتنظيم «القاعدة» وزعيمه كما أن هناك في المقابل من يكن العداء له من منطلق مذهبي. ومن هؤلاء تنظيم «الشباب المؤمن» المعروف باسم الحوثيين الذين يؤيدون نظرية اليساريين في أن «القاعدة صناعة استخبارية أميركية - صهيونية». وكان بعض شبان الحزب الحاكم ووسائل الإعلام الحكومية وجدا في الحادثة ما يعزز خطابهم الاتهامي للمحتجين. ووصل الأمر الى حد ادعاء صحيفة حكومية أن استمرار الأزمة السياسية سيؤدي الى تكرار تجربة «طالبان» في اليمن, وهو كلام يتناقض تماماً مع تصريحات سابقة لكبار المسؤولين ومنهم الرئيس اليمني نفسه حول انتقاد الإعلام الغربي واتهامه بتضخيم حقيقة نفوذ «القاعدة» في اليمن. ويقول ناشطون أن مسألة التدابير المتعلقة بمقتل بن لادن تخص «حزب الإصلاح» وحده على اعتبار أن احتمال ظهور مؤيدين مفترضين لأسامة بن لادن سيكون بلا شك من بين أعضائه. وكانت حادثة الاعتداء على ناشطات وصحافيات من قبل عناصر «إصلاحية» وجنود في الفرقة الأولى المدرعة التي انشق قائدها وأعلن انضمامه للمحتجين وتعهد بحمايتهم, أعادت إلى الواجهة الصورة «الطالبانية» للجماعات المتشددة بحسب تعبير البعض. وذكر بعض الشبان والشابات الناشطين في ساحة التغيير أن الحادثة تسببت في فتور حماستهم. وقالت هند (21 سنة) إنها لم تعد تذهب إلى ساحة التغيير في شكل يومي كما كانت قبل وقوع الحادثة وصارت تكتفي بتخصيص يومين في الأسبوع. وأخذ البعض يتساءل عن مدى قدرة شبان «الإصلاح» العقائديين على التكيف مع خطاب الثورة ومطلب الدولة المدنية التي يجمع المحتجون على أنها البديل المنطقي للنظام القائم. وكانت السنوات الماضية أطلقت شخصيات شابة تنتمي الى «حزب الإصلاح» ذات أفق ديموقراطي غير تكفيري، كما كان لافتاً بروز بعض الشبان ممن تلقوا دروساً في جامعة الإيمان المتهمة بتخريج متطرفين وصاروا ينتقدون نهج الجامعة ورئيسها الشيخ الزنداني بعدما اختبروا الدراسة فيها. ويميل هؤلاء إلى اعتماد نهج الجماعات الإسلامية في تركيا في استيعاب المتغيرات ومنها ثقافة الاختلاف مع الآخر من دون إقصائه إلا أن هذه حالات تظل نادرة وتعود لعوامل ذاتية في حين ما زالت مناهج التنشئة في هذه المؤسسات على حالها.