منذ أحداث 11 من أيلول (سبتمبر) 2001 والدنيا قائمة على قوائمها ولم تقعد، والسبب تفجير برجي أميركا العالميين، وما سبق ذلك من تفجيرات حول العالم في السعودية، تحديداً في مدينة الرياض، وفي نيروبي، وفي دار السلام، ومناطق أخرى من العالم، وظهور الوجه الدامي للإرهاب الذي لم يسلم منه أحد، والعالم يتلظى بأفعال الإرهاب الذي أصابه في مقتل في الأرواح والممتلكات والمنشآت، يضاف إلى ذلك تشويه الدين الإسلامي والانحراف بمبادئه السمحة القائمة على الخير، والسلام، إلى القتل، والتدمير، وتضليل العقول والتغرير بها لخدمة أهداف تنظيم القاعدة، الممثلة في زعيمها «أسامة بن لادن»، ودولة طالبان في أفغانستان. لست في صدد التذكير بنشأة الفكر الإرهابي في أجندة أسامة بن لادن، وما تبعه من تحالفات مع تنظيمات أخرى، كجماعة الجهاد الإسلامي بزعامة «أيمن الظواهري»، ومن الجزائر، ومن ليبيا، والعراق، واليمن، والسعودية، وما سُمي بتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، واستقطاب الشباب ليكونوا معاول هدم في بلدانهم والبلدان الأخرى، كما حدث في العراق، فهذه الأحداث معروفة ولا يجهلها أحد، ولكن المعضلة تكمن في أهداف أسامة بن لادن نفسه، هل حقيقة يريد إقامة خلافة إسلامية، كما يزعم، وهو يعلم أن هذه الغاية مستحيلة جداً في عالم اتضحت معالمه، وتعددت شعوبه، ودياناته، ولم يعد الدين الواحد هو المحور الذي يرتكز عليه؟ هل كان يريد الشهرة وهو الثري الذي كان بإمكانه أن يلمع عن طريق ثروته والترويج لها بمشاريع تقربه من الله وتحقق له مراده؟ ما الذي كان يدور في رأس هذا الرجل الذي دوخ العالم وأزعجه، وأرقه، وعاث فيه خراباً، ودماراً ونظر إليه أتباعه وإن اختلفت الغايات وتضاربت المصالح بعين التقديس، والتبجيل، وجعلوه رمزاً إسلامياً فريداً في عصر اختلطت فيه المفاهيم والقيم الدينية، ووجد فيه الضالون والمتطرفون بغيتهم في تغيير معالم العصر والعودة به إلى الوراء في همجية دينية واضحة المعالم، شعارها الفوضى وفرض الوصاية على البشر واستعباد النساء، ونشر فتاوى التهويل والظلم والقهر، والترويج لشخصنة الوعاظ، والخطباء، والمرتزقة خلف عباءة الدين والانخراط في موجة التطرف حتى أصبح الإسلام مطية من لا مطية له، وصنعة المتلاعبين على شماعته في نواحي الفكر والتنوير، والتعتيم على جوانبه المشرقة. هل انتهت أسطورة أسامة بن لادن الآن بعد مقتله وتفككت جيوب خلاياه النائمة والمستفيقة، أم سيدخل العالم كله في حروب انتقامية يشنها أتباعه الذين بلا شك لن يسكتوا على مقتل زعيمهم الروحي، الذي حقق لهم الحلم في إيجاد خريطة طريق فضفاضة يرسمون عليها أبجديات طموحاتهم السياسية، والعدائية، حتى لا يباد مشروعهم الظلامي كلية؟ ومن هنا ستتغير الأدوات، وربما يجدون في الأوضاع المتأزمة في الوطن العربي وأحداثه المشتعلة بالثورات، وما خلفها من تغيير في الحكومات، وسيعزفون على وتر الديموقراطية في تحقيق مطامح الشعوب، وسيجعلونها أيديولوجية أساسية تحكم حضورهم في المشهد الانقلابي للشعوب، وتركز على الشأن المحلي، وضرورة تطبيق الدين الإسلامي، في تنظيمات محلية تنسلخ من تنظيم القاعدة، أو لا تريد أن تكون طرفاً فيها ،لإضفاء صفة الحداثة واللحاق بركب الثورات العربية، وهنا تكمن الخطورة في آليات الخداع الذي ستلعب عليه هذه التنظيمات بإخفاء الوجه الحقيقي لأهدافها وأجنداتها المنصبة على أساس السياسة «الميكافيلية»، بنظرية الغاية تبرر الوسيلة، وربما تكون على شكل أحزاب مندسة في صفوف الثورة تعيد ترتيب أوراقها من جديد بالفكر والهدف نفسهما، مع الاختلاف في الشكل والطريقة، للوصول إلى الشعبية الكافية لمآزرتها. [email protected]