يودّع السودان العام 2017 ويودّع معه عقوبات اقتصادية أميركية استمرت عقدين، لكن الأزمة الاقتصادية لا تزال قائمة، وزادت المعيشية الاقتصادية صعوبة وتدهور سعر صرف الجنيه السوداني حتى فقد أكثر من 60 في المئة من قيمته خلال الأشهر الماضية، بينما لا تزال عملية السلام في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق وإقليم دارفور جامدة منذ أكثر من سنة. وأعلن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع للخزانة الأميركية «أوفاك»، في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي تحديث قائمة الشركات السودانية الخاضعة للعقوبات، فعدّد أسماء 222 شركة وهيئة شملها قرار رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان. وألغت واشنطن العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان منذ 20 سنة، مقرةً ب «إجراءات إيجابية» اتخذتها الخرطوم للحفاظ على وقف الأعمال العدائية في مناطق النزاع وتحسين وصول المساعدات الإنسانية. وأنهى قرار رفع العقوبات في شكل دائم الحظر الاقتصادي الأميركي على السودان، وأزال القيود المفروضة منذ فترة طويلة على التجارة والمعاملات المالية. وسيسمح للخرطوم بالاستفادة من صناعات النفط والغاز. غير أن السودان لا يزال على قائمة وزارة الخارجية الأميركية للدول الراعية للإرهاب، وهو ما يجعل البلاد تحت طائلة عقوبات خاصة، تشمل حظر مبيعات الأسلحة والقيود المفروضة على المساعدات الأميركية. وكانت للرئيس السوداني عمر البشير نشاطات خارجية بارزة عام 2017، لا سيما زيارته روسيا التي رافقها جدل بسبب تصريحه بأن السودان بحاجة إلى الحماية من التصرّفات «العدائية» الأميركية رغم رفع الحظر الاقتصادي. كما كانت مباحثات البشير ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، في منتجع سوتشي على ضفاف البحر الأسود، بالغة الأهمية، إذ ناقشا التعاون في المجالين العسكري والطاقة، واتفقا على إنشاء محطة نووية في السودان للطاقة وطلب البشير إنشاء قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر، في خطوة اعتُبرت غضباً من واشنطن المتحفظة على إعادة ترشحه لولاية رئاسية جديدة عام 2020. وشهد عام 2017 تشكيل حكومة جديدة، واستحداث منصب رئيس وزراء، شغله نائب الرئيس بكري حسن صالح، بينما ضمت «حكومة الوفاق الوطني» 31 وزيراً اتحادياً و45 وزير دولة، فضلاً عن 65 مقعداً في البرلمانات المختلفة، ضمّت عدداً من القوى التي شاركت في طاولة الحوار الوطني والموقعة على الوثيقة الوطنية. وأتى إعلان حكومة الوفاق الوطني بعد مخاض عسير، حيث تأخر إعلانها أكثر من مرة، كما دبّت الخلافات داخل أحزاب شاركت في طاولة الحوار بسبب تولي المناصب الوزارية، الأمر الذي وضع بعضها على حافة الانقسام نظراً إلى محدودية المواقع في السلطة قياسياً على عدد القوى التي شاركت في الحوار، والتي وصلت لنحو 96 حزباً سياسياً وحركة مسلحة، كانوا ينتظرون كلهم المشاركة في السلطة. وفي دارفور التي شهدت هدوءاً دام أكثر من سنة، اندلع قتال في أيار (مايو) الماضي، بين القوات الحكومية وقوات متمردة دخلت ولايتي شمال وشرق دارفور في وقت متزامن من دولتي ليبيا وجنوب السودان. واتهم الرئاسة السودانية كلاً من مصر ودولة جنوب السودان بدعم قوات من حركات دارفور المسلحة حاولت التوغل في الإقليم المضطرب عبر محورين انطلقا من ليبيا ودولة الجنوب. وقال الرئيس البشير إن قوات الجيش والدعم السريع غنمت مدرعات ومركبات مصرية أستخدمها متمردو دارفور في هجومهم على الولايتين. وأطلقت الحكومة السودانية في آب (أغسطس) الماضي، حملة لجمع السلاح من المواطنين في ولايات دارفور وكردفان (غرب) عبر مرحلتي الجمع الطوعي، والجمع عبر الدهم والتفتيش، وامتدت الحملة لولايات في وسط البلاد وشرقها، وستبدأ قريباً في الخرطوم، ورافقها فرض حال الطوارئ في بعض الولايات. وأكدت الحكومة أن النتائج الأولية لخطة جمع السلاح ومنع انتشاره في ولايات دارفور وكردفان كانت «إيجابية»، حيث جُمعت 80 ألف قطعة، وهو رقم متواضع، إذ يُقدَّر عدد السلاح المنتشر في دارفور وكردفان في أيدي المواطنين بأكثر من مليون قطعة. وذكر مسؤولون أن مجموعات قبلية في دارفور رافضة عملية جمع السلاح تمكنت من تهريب سلاحها إلى الحدود بين دولتي أفريقيا الوسطىوجنوب السودان للحيلولة دون مصادرته. وتملك غالبية قبائل دارفور أسلحة بعضها ثقيل لحماية نفسها. ولجأت بعض القبائل إلى دفن سلاحها في الأرض لتجنب مصادرته من قبل القوات الحكومية التي بدأت مرحلة نزع السلاح بالقوة. وفي منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، شهدت المنطقة تطوراً لافتاً، حيث قرر مجلس تحرير جبال النوبة، «برلمان» متمردي «الحركة الشعبية- الشمال» التي تقاتل الحكومة تنصيب عبد العزيز الحلو رئيساً للحركة، وإقالة مالك عقار، والأمين العام للحركة ياسر عرمان، ما فاقم حالة الانقسام التي تعيشها الحركة منذ آذار (مارس) الماضي. وأدت الخطوة إلى انقسام المتمردين إلى حركتين، يتزعم الأولى عبدالعزيز الحلو الذي يحظى بدعم القيادات العسكرية، وحركة أخرى بقيادة مالك عقار وهو التيار الأضعف عسكرياً وينحصر وجوده في ولاية النيل الأزرق المتاخمة لجنوب السودان وإثيوبيا. وتوقفت منذ آب (أغسطس) 2016، المحادثات بين الحكومة ومتمردي «الحركة الشعبية- الشمال» بعدما اتفق الطرفان على 80 في المئة من القضايا، ويُتوقع أن يدعو الوسيط الأفريقي ثابو مبيكي أطراف النزاع إلى جولة جديدة من المحادثات لتسوية النزاع في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق. كما أصاب الجمود عملية السلام في دارفور.