حي وسط حي، يواجه المقبل إليه عناء كبيراً في رسم خريطة الوصول إليه بعد أن تلاحقه نظرات المسؤول الاستغرابية تجاه السائل عنه، هذا هو واقع حي «الحفرة» القابع في وسط حي العزيزية في جدة. وبعد جهد وبحث مضن، وجدت «الحياة» قبيل انتصاف الشمس كبد السماء شاباً سعودياً دلها على مدخل الحي (لكنه فضل عدم ذكر اسمه) مكتفياً بتعريف نفسه بأبي إبراهيم معللاً تحفظه بأنه لا يرغب (وفق قوله) في المشكلات، بل إنه أبدى استغرابه من السؤال عن «الحفرة»، مؤكداً أننا من قلة من السعوديين الذين يسألون عنها على رغم بلوغه من العمر 28 ربيعاً. وعند مدخل الحي، أوقف أبو إبراهيم سيارته جانباً، وأرشد إلى مدخل الحي، وقال: «هذه هي «الحفرة» التي أُثر عنها أن الذي يدخلها لم يخرج منها». وأضاف: «إن جرائم بينها القتل هي ما عرفت به الحفرة، وهو ما يؤكد أنه السبب في عزوف الكثير من الناس خصوصاً السعوديين من سكان جدة عموماً في الولوج إلى هذا الموقع»، مستدركاً أن لعبة المزمار هي أبرز ما أشتهرت به الحفرة، مشيراً إلى أن الشهرة التي راجت عن زامر الحي أبو عزة (الكنية التي اشتهر بها قائد فرقة المزمار في الحفرة)، ملمحاً إلى غلبة حب قاطني الحفرة حتى سنوات قليلة مضت للفن على خوفهم مما يثار عن الحي. وتابع أبو إبراهيم: «إن غالبية أهالي حي العزيزية والمجاورين لحي الحفرة (الموجود وسطه الحي المعني) لا يدخلون الحفرة إلا في حال وجود حفلة مزمار، بيد أن هذا الإجراء (وفق المتحدث) تلاشى بعد أن توقفت تلك الحفلات في الأعوام الأخيرة. وبينما واصلت «الحياة» جولتها داخل دهاليز الحي، بدا وكأن الجولة في إحدى حارات أدغال أفريقيا، فغالبية الأطفال يسيرون حفاة من دون حسبان لرمضاء شمس ملتهبة أو اعتبار لضربة شمس محتملة. فهم يلهون ويلعبون في وقت يلتزم فيه أقرانهم مقاعدهم الدراسية، مما يثير تساؤلاً عن نظامية وجود أهاليهم من عدمها، إذ حاولت «الحياة» استنطاق أحد الأطفال عن الأسباب لكن اختلاف اللغة حال دون معرفة ذلك. وبمنأى عن واقع الأطفال الدراسي، يملأ الفقر المكان، ويبدو ذلك جلياً مما يرتديه أهالي الحي، فملابس الكبار قبل الأطفال رثة، بينما يحتل البؤس جزءاً من ملامح وجوههم!. وتتكون التركيبة السكانية ل«الحفرة» في سوادها الأعظم من الجنسية الأفريقية، بينما يقطن نزر يسير من الجالية الباكستانية الحي. وعند بلوغ وسط الحفرة، تتضح ساحة المزمار الشهيرة التي تحولت إلى مواقف سيارات لسكان الحي، وفيها (الساحة) وجدت «الحياة» سعودياً من بين الأقلية الذين كانوا يرصدون بعين الحذر جولتها، وباستفساره عن موقع المزمار أجاب أن الساحة لم يعد بها أي فعاليات للمزمار. وعن تعايشهم مع الأفارقة، قال إنهم لا يتعاملون معهم إلا في أضيق الحدود، مبرراً ذلك باتقائهم شر المشكلات، أما عن سبب تسمية الحي ب«الحفرة»، أجاب أنه لا يعرف السبب، لكن السبب يبدو جلياً إذ رصدت عدسة «الحياة» باب أحد المنازل الشعبية وقد بات نصفه تحت منسوب الطريق، فالخارج منه كالداخل إليه لا يستطيع الولوج أو الخروج عبره إلا منحنياً، مما يرجح فرضية أن يكون مكان الحي من الأماكن المنخفضة كثيراً، بل العميقة (كما سمي به). يذكر أن الأمين السابق لأمانة محافظة جدة ووزير العمل الحالي المهندس عادل فقيه كان قد أعلن عزم الحكومة السعودية تطوير50 منطقة عشوائية يقطنها حوالى مليون شخص في مدينة جدة فقط، من ضمنها الحي الحاضر الغائب (الحفرة).