الى جانب خلطه الأوراق في محاربة تنظيم «القاعدة» والحرب المندلعة في أفغانستان منذ نحو عشر سنوات، قلب مقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن في عملية نفذتها القوات الأميركية الخاصة في مدينة أبوت آباد قرب إسلام آباد الأحد الماضي، المشهد السياسي الداخلي رأساً على عقب في الولاياتالمتحدة، بعدما منح الرئيس باراك أوباما زخماً شعبياً يُعدّ استثنائياً منذ توليه الرئاسة مطلع 2009، وأجبر الجمهوريين على مراجعة خطابهم الداخلي استعداداً للانتخابات المقررة عام 2012. ويحتم ذلك رسم الجمهوريين إطاراً مختلفاً لحملة الجمهوريين التمهيدية لاختيار مرشح لمواجهة الرئيس أوباما، بعدما وضع الإنجاز مرشحين محتملين استمالوا ضعف أوباما في المرحلة الأخيرة مثل دونالد ترامب أو سارة بايلن في موقع أضعف، فيما زادت حظوظ منافسين آخرين على لقب المرشح الجمهوري للرئاسة مثل ميت رومني أو السفير السابق لدى الصين جون هانتسمان أو حاكم انديانا السابق ميتش دانيالز. وعكس استطلاع للرأي أجراه مركز «بيو» ونشرت نتائجه صحيفة «واشنطن بوست»، وهو الأول بعد مقتل بن لادن، تزايد تأييد الأميركيين لأوباما أكثر من 10 نقاط، وصولاً الى نسبة 56 في المئة في مقابل اعتراض 38 في المئة على أدائه. وهي نسبة التأييد الأكبر له منذ العام 2009، حين تلاشت الفورة الشعبية التي واكبت انتخابه، بسبب العبء الاقتصادي وخطة الضمان الصحي، ثم خسارة حزبه الديموقراطي الغالبية في مجلس النواب. ويرى مراقبون أن نجاح الرئيس الأميركي في إدارة مهمة قتل بن لادن شكلت إنجازاً سياسياً ضخماً له، وهو ما لم يحققه سلفيه جورج بوش وبيل كلينتون بعدما طارداه لمدة 13 سنة. وعكس الاستطلاع تأييد 69 في المئة من الأميركيين لأداء أوباما في موضوع مكافحة الإرهاب، وهو رقم استثنائي لرئيس ديموقراطي في ظل الانتقادات التي يوجهها صقور اليمين للديموقراطيين في مواضيع الأمن القومي والإرهاب. وأجبرت العملية شخصيات مثل نائب الرئيس السابق ديك تشيني على تهنئة أوباما، بعدما كان من ضمن أبرز منتقدي سياسته الخاصة بمحاربة تنظيم «القاعدة»، ومنعه وسائل التعذيب في استجواب المعتقلين، وإسقاطه عبارات «الحرب على الإرهاب» و «التطرف الإسلامي» من قاموس الإدارة الأميركية. داخلياً، نقلت العملية ضد زعيم «القاعدة» الكرة الى ملعب البيت الأبيض الذي يحدد عناوين السجال اليوم، بعد شهور من قيادة الجمهوريين للجدل السياسي في شأن قضايا اقتصادية وأخرى تنال من سمعة أوباما، مثل التشكيك في ولادته داخل الأراضي الأميركية. ويرى محللون أن مقتل بن لادن فرض إيقاعاً مختلفاً للخطاب السياسي شبيه بمرحلة ما بعد اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، في ظل تضامن الحزبين مع جهود البيت الأبيض والاستخبارات والجيش، واستعداد أوباما للتوجه الى الموقع المدمر لاعتداءات 11 أيلول المعروف باسم «غراوند زيرو» اليوم، في تكرار لزيارة بوش نيويورك بعد الاعتداءات. ولفت رفض بوش تلبية دعوة أوباما للانضمام إليه في نيويورك، حيث سيلتقي الرئيس الحالي عائلات ضحايا اعتداءات 11 أيلول. وقال الناطق باسمه ديفيد شيرز: «يثمن الرئيس بوش الدعوة، لكنه اختار في هذه الفترة التي أعقبت رئاسته أن يبقى بعيداً عن عدسات المصورين، وهو سيواصل الاحتفال مع جميع الأميركيين بهذا النصر المهم في الحرب ضد الإرهاب». يذكر أن بيانات مشاهدة الكلمة التي ألقاها أوباما الاثنين الماضي وأعلن فيها مقتل بن لادن، كشفت متابعة أكثر من 56 مليون أميركي لها، أي أكثر من عدد الأشخاص الذين تابعوا خطابي «حال الاتحاد» اللذين ألقاهما أوباما منذ توليه الرئاسة (48 مليوناً عام 2010 و42،8 مليون عام 2011)، وأولئك الذين شاهدوا الخطاب الذي وجهه أوباما الى الأميركيين في آذار (مارس) الماضي لتبرير العمل العسكري ضد ليبيا (25.6 مليون). على صعيد آخر، أشاد مجلس الشيوخ الأميركي بالإجماع بالجيش والاستخبارات في مطاردة بن لادن وتصفيته. وأورد قرار أصدره، بإجماع 97 عضواً ومن دون معارضة، أن «مقتل بن لادن يمثل العدالة والارتياح لعائلات وأصدقاء حوالى 3 آلاف شخص قتلوا في 11 أيلول، وأولئك الذين قتلوا في اعتداءات أخرى مرتبطة بالقاعدة، وكذلك بالنسبة الى العسكريين وعناصر الاستخبارات الذين ضحوا بأنفسهم لمطاردة بن لادن». وهنأ القرار العسكريين وعناصر الاستخبارات الأميركية «لالتزامهم ومواظبتهم ومهنيتهم»، والرئيس أوباما لإعطائه الأمر بتنفيذ العملية، مجدداً تأكيد التزام مجلس الشيوخ العملي بدحر «القاعدة» والمنظمات التابعة لها. وقال السناتور الجمهوري جون ماكين أمام زملائه: «إنه وقت الوحدة الوطنية والاحتفال. وقت طي هذه الصفحة المؤلمة من تاريخ بلادنا حتى لو استمرت معركتنا. وهو خصوصاً وقت لشكر فئة من مواطنينا ستحتل الى الأبد موقعاً مشرفاً في تاريخنا». أما زعيم الغالبية الديموقراطية هاري ريد فقال إن «هؤلاء الأبطال واجهوا الخوف بذكاء وشجاعة. كان أسامة بن لادن المطلوب الأول في العالم، وكان وجهه وجه عدونا ووجه الشر». وفي كلمة ألقاها أمام اللجنة المصرفية في مجلس الشيوخ الأميركي، أعلن ديفيد كوهين، مساعد وزير الخزانة بالوكالة والمكلف محاربة الإرهاب والجريمة المالية، أن مكافحة تمويل «القاعدة» والتنظيمات التابعة لها لن تنتهي بعد وفاة بن لادن. وقال: «وفاة بن لادن تعتبر بالتأكيد خطوة مهمة، إذ أدت الى اختفاء رجل شكل رمزاً مفيداً لجمع أموال، لكنها لا تعني إطلاقاً أننا وصلنا الى نهاية جهودنا في مجال مكافحة تمويل الإرهاب».