أطلقت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني مشرع التنقيب في موقع عشم الأثري في قطاع تهامة بمنطقة الباحة (140 كيلومتراً غرباً)، إذ كانت معمورة قبل الإسلام واشتهرت بوجود المعادن فيها، كما تعد من أهم مستوطنات التعدين في الفترة الإسلامية المبكرة، ومحطة للحجاج على طريق الحج القديم الذي يربط جنوب الجزيرة من اليمن بمكةالمكرمة، على امتداد ساحل البحر الأحمر. وتبلغ مساحة «عشم» 1500×600 متر، وتمتد من الشرق إلى الغرب، وقد بنيت منازلها بالحجارة البازلتية، التي يغلب عليها اللون الأسود، ووضعت الكتل الصخرية بعضها فوق بعض من دون استخدام الملاط، كما يصل عدد بيوت القرية إلى أكثر من 400 بيت، بعضها يتكون من غرفة واحدة وبعضها الآخر يتكون من غرف عدة. وكان أول الأعمال الأثرية، التي أجريت في الموقع ضمن أعمال مسح مواقع التعدين، في المنطقة الجنوبية الغربية عام 1402، إذ سجل عدد من آثار التعدين في الموقع، وينتشر على سطحه عدد غير قليل من كِسَر الأواني الفخارية والخزفية والزجاجية، كما يمتاز الموقع بكثرة الرحي الحجرية المستخدمة في طحن الحبوب، إضافة إلى أن فريقاً من قطاع الآثار أجرى في 1427 مسحاً شاملاً للموقع، تم فيه استكمال تسجيل الموقع وإدخاله ضمن برنامج الخريطة الرقمية، إلى جانب أن فريقاً مكوناً من باحثين وأخصائيين أثرين من قطاع الآثار والمتاحف ومنطقة مكةالمكرمة ومنطقة الباحة، أجروا أعمال تنقيب أثري مركزة في موقع عشم الأثري، في حين يركز المشروع الحالي أعمال التنقيب في المنطقة المسيجة للموقع الأثري والتحقق من كثافة العثور الأثرية، والكشف عن الأدوات والوسائل المصاحبة لأعمال التعدين، إذ ركزت أعمال التنقيب في السوق التجارية الموجودة في الموقع. وكشفت الأعمال الأثرية عن عدد من الظواهر المعمارية، وهي عبارة عن جدران يبلغ عرضها ما بين 45 سم و70 سم، وظهور بعض الدعامات المربعة الشكل لبعض الجدران يراوح ارتفاعها ما بين 80 سم ومتر، وعرضها 80 سم × 80 سم، وكذلك ظهور مساطب في بعض الغرف، التي يراوح ارتفاعها ما بين 30 سم و70 سم وعرضها 60 سم، ربما استخدمت لأعمال البيع، واتضح بعد درس الظواهر المعمارية: أن المنطقة التجارية عبارة عن شريطين متقابلين من الغرف المستطيلة، تنقسم كل غرفة إلى قسمين، الأول عبارة عن مقدمة والثاني عبارة عن غرفة داخلية تستخدم بمثابة مستودع خلفي. وأظهرت الأعمال الأثرية أيضاً وجود أعمال ترميم بالموقع، ربما نفذت في وقت لاحق من الاستيطان في الموقع، كما عثر في منطقة التنقيب على عدد من الأشياء الأثرية، منها الفخارية التي تمثلت بأجزاء من حواف وأبدان وقواعد لأوانٍ فخارية صغيرة ومتوسطة الحجم، وتم العثور أيضاً على فخار مزجج بألوان مختلفة، منها الأخضر الفاتح والقصديري والأصفر والأحمر والبني، وعثر أيضاً على أوانٍ فخارية كاملة، وهي عبارة عن إبريق متوسط الحجم وقدح صغير الحجم وإناء فخاري شبه مكتمل، وكذلك تم العثور على إناء فخاري مزجج، لونه أخضر فاتح، شبه مكتمل، إضافة إلى أن الموقع لا يخلو من أجزاء من الحجر الصابوني، وهي عبارة عن حواف وأبدان وحواف لبعض الأواني مختلفة الحجم، وهي في مجملها ذات أسطح ملساء، ووجدت زخارف على أسطح بعض الأجزاء، ما يعني اهتمام الصانع بنحتها، كما عثر على مسرجة من الحجر الصابوني، وغطاء شبة مكتمل لإناء متوسط الحجم. فيما تنوعت بقايا الأواني الزجاجية، وجاءت بألوان مختلفة، وتمثل حواف، ورقاباً، وقواعد مقعرة، وأجزاء من أبدان قوارير مختلفة الأحجام، كما تمثلت العثور المعدنية بأجزاء من قطع معدنية جميعها متأكسدة، كما تم العثور على ملعقة صنعت من المعدن متوسطة الحجم، وسكين وإناء معدني صغير الحجم، ومسامير مصنوعة من الحديد. وتعد النتائج السابقة من أهم الأدلة على عمق الاستيطان بالموقع، التي خصصت لأعمال التعدين خلال العصور الإسلامية المبكرة والوسيطة، ولم ينخفض نشاط التعدين في الموقع إلا بحلول القرن السادس الهجري، ومن المؤمل أن تكشف الحفائر المستقبلية عن عدد من مظاهر التعدين في موقع عشم، وبالتالي الإسهام في التعرف على النشاط الاقتصادي للجزيرة العربية خلال عصورها الإسلامية، وربما قبلها.