رهن حزب «الاتحاد الإسلامي الكردستاني» استمرار بقائه في حكومة كردستان بإجراء إصلاحات «حقيقية» لحل الأزمات والاستجابة لمطالب المحتجين في مهلة لا تتجاوز ثلاثة أسابيع، فيما انطلقت حملة لتنظيم إضرابات وعصيان مدني عقب نجاح السلطات في كبح حركة الاحتجاجات. وكانت احتجاجات غاضبة اجتاحت محافظة السليمانية والمناطق الشرقية والجنوبية من الإقليم الخاضعة لنفوذ حزب «الاتحاد الوطني»، رافقتها أعمال عنف طاولت مباني حكومية ومكاتب حزبية، وطالبت بإسقاط الحكومة لعجزها في دفع الرواتب مع تفاقم الأزمة المالية إثر إجراءات عقابية تفرضها بغداد على الأكراد على خلفية خطوتهم الانفصالية أواخر أيلول (سبتمبر) الماضي. وقال المتحدث باسم «الاتحاد الإسلامي» هادي علي خلال مؤتمر صحافي أمس، عقب اجتماعات للحزب دامت أكثر من عشر ساعات للبحث في خيار الانسحاب من الحكومة: «قررنا أعطاء الحكومة مهلة لا تتجاوز منتصف الشهر المقبل، حينها سنتخذ قراراً حاسماً في شأن بقائنا في الحكومة من عدمه، على أن تقوم السلطات والبرلمان خلال هذه المدة بتشكيل لجان للتحقيق في الأحداث الأخيرة، وإطلاق سراح المعتقلين الأبرياء وتحديد الجهات التي حرضت المواطنين ومقاضاتها، والاستجابة لمطالب المحتجين وصرف الرواتب في مواعيدها وفقاً للإمكانات المتوفرة، وإنهاء المظاهر العسكرية في المدن». ولفت إلى أن «خيار تحديد المهلة نابع من الحرص على أخذ الظروف والمخاطر القائمة بنظر الاعتبار»، وشدد على «أهمية إجراء إصلاحات حقيقية كفيلة بمعالجة الأزمة المالية أو حتى جزئياً، والبدء في إنهاء التوتر، والعمل على تحديث سجل الناخبين وتنظيفها من الشوائب». تهديد بانهيار الحكومة ويرجح أن يؤدي انسحاب «الاتحاد الإسلامي» إلى انهيار تام للتشكيلة الحكومية، إذ يصنف باعتباره رابع أكبر حزب سياسي في الإقليم ويمتلك عشر مقاعد نيابية وحقيبتين وزاريتين، بعد انسحاب حركة «التغيير»، التي تحوز على 24 مقعداً نيابياً وأربع حقائب وزارية، وأيضاً «الجماعة الإسلامية» التي لها تسعة مقاعد نيابية وحقيبة وزارية، واضطر رئيس الحكومة نيجيرفان بارزاني إلى التوجه نحو إجراءات الانتخابات في مدة أقصاها ثلاثة أشهر، بعد فشله في تحقيق إجماع سياسي كردي بغية تشكيل وفد توافقي للتفاوض مع بغداد، و «إنقاذ ما يمكن إنقاذه» جراء الأزمة التي نجمت عن عملية الاستفتاء. ودعا ناشطون ومنظمات حقوقية في منطقة كرميان التابعة للسليمانية، موظفي القطاع العام إلى الإضراب، في أعقاب قمع السلطات الأمنية الاحتجاجات، فيما أعلنت الحكومة أمس واليوم، عطلة بمناسبة أعياد الميلاد المجيد، بخلاف الأعوام السابقة التي كانت تحدد بيوم بواحد، والتي فسرها مراقبون بأنها تأتي ضمن إجراءات السلطات الهادفة إلى كبح حركة الاحتجاجات. وقال سكان محليون في منطقة كلار، إن غالبية الأسواق والمحلات التجارية أقفلت أبوابها استجابة لحملة الإضراب، وتداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي صورة لأسواق المدينة وهي تخلو من الحركة. ودعا رئيس مجلس السليمانية آزاد حمد أمين خلال مؤتمر صحافي «السلطات الأمنية إلى إطلاق سراح المعتقلين من المتظاهرين والنشطاء وسحب القوات الأمنية من المدن والقصبات»، داعياً «الجميع إلى العمل للحفاظ على السلم الاجتماعي». وذكر بيان للبعثة الأممية «يونامي» أن ممثلين كبار عن البعثة «عقدوا سلسلة اجتماعات مع مسؤولين حكوميين وحزبيين وناشطين ومواطنين في يومي 21 و22 من الشهر الجاري، وأكدوا على ضرورة تهدئة التوترات في أعقاب التظاهرات التي أخذت منحى عنيفاً وأدت إلى اعتقالات وإصابات وخسائر في الأرواح». وأكد الوفد على «الحق الأساسي للمواطنين في التظاهر سلمياً بموجب القانون، وأهمية تعامل حكومة الإقليم مع الاحتجاجات بأسلوب ضبط النفس ضمن مسؤوليتها لحماية مواطنيها، كما على المتظاهرين عدم اللجوء للعنف وتدمير الممتلكات». وأشار إلى أن «مسألة الأمن المعيشي للمواطنين في مواجهة أزمة الموازنة القائمة، من بين المظالم التي أثارها المتظاهرون، أمر بالغ الأهمية، وجدد الوفد التأكيد على استعداد البعثة، في حالِ طلب الطرفان، لاستخدام مساعيها الحميدة لدعم المفاوضات بين أربيل وبغداد لحل الملفات العالقة، بما في ذلك المخصصات في الموازنة الاتحادية ودفع الرواتب والسيطرة على الحدود». اللغة الكردية من جهة أخرى، رفضت مديرية التجارة في السليمانية استلام قسائم «البطاقة التموينية» للعام الجديد الخاصة ببرنامج الدعم الغذائي المعمول به، بسبب إقدام بغداد على إلغاء اللغة الكردية من البطاقة، في وقت يتهم الأكراد الحكومة الاتحادية بالعمل على إلغاء كيان الإقليم الدستوري. ودعا نائب رئيس الجمهورية زعيم «ائتلاف دولة القانون» نوري المالكي في مقابلة مع فضائية «روداو» المقربة من رئيس حكومة الإقليم، إلى «البدء بصفحة جديدة بعد أن أصبح الاستفتاء في حكم المنتهي بقرار من المحكمة الاتحادية، والبدء بالحوار، ولم يبقى هناك مبررات أو مسوغ لتأجيل الحوار». ولفت إلى أن «حصة الإقليم في الموازنة الاتحادية تقدر ب17 بالمئة، لكن على الإقليم لم يسلم إيرادات ما ينتج من النفط أياً كان حجمها»، واعتبر أن «معاقبة الشعب الكردي لحصد مكاسب انتخابية منطق معيب بكل المقاييس، لأن العمل السياسي الحقيقي هو طرح المشاريع والحلول، وليس تعقيد الأزمات». وبعد ساعات أصدر مكتب المالكي توضيحاً أكد فيه أن حديثه «عن نسبة 17 بالمئة كان يتعلق بموازنة الأعوام الماضية، أما فيما يتعلق بموازنة عام 2018، فهي وفق النسب التي وضعتها الحكومة استناداً إلى البيانات المتوفرة لديها والمقدمة إلى البرلمان للمصادقة عليها». ويرعى رئيس الجمهورية فؤاد معصوم في مطلع العام الجديد جهود وساطة لإطلاق حوار بين حكومتي أربيل وبغداد «بدعم فني أممي»، والمرجح أن تبدأ عقب أعياد الميلاد رأس السنة، وسط تحذيرات من مخاطر استمرار الأزمة وانعكاساتها على الحالة المعيشية لمواطني الإقليم واندلاع «ثورة جياع» جراء الغضب الشعبي المتصاعد. إلا أن النائب عن كتلة «التغيير» أمين بكر، كشف أن «رئيس الوزراء حيدر العبادي أكد في اجتماع مع نائب رئيس البرلمان آرام شيخ محمد (قيادي في الحركة)، احترامه كيان الإقليم الدستوري وسيصرف رواتب موظفي الإقليم، لكن في حال تسليم أربيل إدارة المنافذ الحدودية والمطارات إلى السلطة الاتحادية». وكشفت وسائل إعلام كردية مقربة من الحكومة عن أن «وفد برئاسة الأمين العام لمجلس الوزراء العراقي مهدي العلاق سيزور أربيل قريباً للبحث في ملفي إعادة النازحين والانتخابات المقبلة، في خطوة من شأنها إذابة الجليد بين الطرفين، في حين يستعد برلمان الإقليم تسمية وفد لزيارة بغداد للقاء الكتل في البرلمان الاتحادي في محاولة للتقريب بين وجهات النظر. وفي كركوك، أعلن الناطق باسم مجلسها عماد العاملي عن «تأجيل جلسة للمجلس كانت مقررة اليوم (أمس) لتزامنها مع عطلة أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية، برئاسة ريبوار طالباني (كردي)»، وذلك بعد فشل المجلس في الاجتماع منذ شهرين إثر سيطرة القوات الاتحادية على المحافظة في أعقاب خطوة الأكراد الانفصالية. ويأتي ذلك في ظل توترات أمنية، وأخرى سياسية بين الأكراد من جهة، والتركمان والعرب من جهة أخرى، ودعا «المجلس العربي» المجموعتين العربية والتركمانية إلى «مقاطعة جلسات مجلس كركوك لأن المحافظة ما زالت تدفع ثمن حمقى السياسة المريضة الذين رموا المحافظة في دهاليز ظلامية لتحقيق مصالحهم الشخصية». وأضاف أن «مجلس كركوك، وتحديداً قائمة التآخي الكردية وبرئاسة ريبوار الطالباني، قالوا وجالوا في هذا المجلس بحكم أغلبيتهم واستكبروا وتطاولوا على القانون والدستور والمحكمة الاتحادية والبرلمان ورئيس الوزراء وأصدروا قرارات مخالفة، مثل رفع علم الإقليم وقرار سيّئ الصيت القاضي بشمول كركوك في استفتاء كردستان». في المقابل وقّعت شخصيات ومسؤولون أمنيون وسياسيون من الأكراد والعرب والتركمان في قضاء داقوق على «معاهدة للحفاظ على السلم والأمن في القضاء بناء على مقترح من المرجعية الدينية في النجف». وكشف تقرير صدر عن البعثة الأممية حول التحقيق في مزاعم بارتكاب انتهاكات في قضاء طوزخورماتو عن «تدمير وإحراق أكثر من 175 منزلاً ومبنى ومحلات تجارية»، لافتة إلى أنه «منذ اندلاع أعمال العنف في القضاء، تلقت البعثة عدداً من الادعاءات بوقوع إساءات وانتهاكات لحقوق الإنسان، لاسيما في ما يتعلق بوقوع خسائرَ بشرية بين المدنيين، ونزوح أكثر من 8500 شخص».