تظاهر الأكراد، لليوم الخامس على التوالي، في مناطق متفرقة من محافظة السليمانية للمطالبة بسقوط الحكومة ومحاربة الفساد وإطلاق الذين اعتقلتهم قوات الأمن. وشهدت مدن وبلدات في كردستان، غالبيتها في ثاني محافظات الإقليم، تظاهرات حاشدة خلال الأيام الأربعة الماضية تخللتها مواجهات مع قوات الأمن أسفرت عن قتل خمسة أشخاص وإصابة حوالى 200. وتجمع أمس في ساحة السراي وسط السليمانية مئات عند منتصف النهار، بينهم ثلاثة نواب من حركة «التغيير»، أحدهم في البرلمان الاتحادي. لكن قوات الأمن سارعت الى تفريقهم بإطلاق النار في الهواء وقنابل الغاز المسيل للدموع، ما أدى الى إصابة عدد المتظاهرين بينهم النواب الثلاثة بحالات اختناق، نقلوا إثرها الى المستشفى، على ما أكد عثمان، وهو نائب سابق في برلمان الإقليم. بعدذاك، نفذت قوات الأمن حملة اعتقالات شملت عدداً من المتظاهرين وفرضت إجراءات مشددة في عموم مدن المحافظة ومنعت خروج تظاهرات جديدة. وشهدت مدينة رانية التي يسكنها 100 ألف نسمة، على بعد 130 كيلومتراً شمال غربي السليمانية، تظاهرة شارك فيها مئات ورشقوا قوات الأمن بالحجارة. وهتفوا: «سلموا مَن أطلق النار على المتظاهرين إلى العدالة»، كما طالبوا ب «إطلاق الذين اعتقلتهم قوات الأمن». وفي بلدة جمجمال، على بعد 70 كيلومتراً جنوب السليمانية، خرج مئات المتظاهرين وهتفوا: «تسقط الحكومة الفاسدة» و «لا للفساد» ورشقوا قوات الأمن التي أطلقت النار في الهواء والغاز المسيل للدموع لتفرقة المتظاهرين. وأكد عناصر في حركة «التغيير» (كوران) اعتقال حوالى 200 شخص خلال الأيام الثلاثة الماضية في السليمانية وحدها، فيما اعتقل عشرات آخرون في مناطق متفرقة في المحافظة. وتسبب تصاعد التظاهرات في أزمة داخل حكومة الإقليم، وأعلن حزبان هما حركة «التغيير» و «الجماعة الإسلامية» انسحابهما منها. ويعيش إقليم كردستان الذي تمتع خلال المرحلة الماضية باستقرار كبير مقارنة ببقية مناطق العراق، أوضاعاً مضطربة، خصوصاً بعد الاستفتاء على الانفصال الذي أجراه الرئيس السابق مسعود بارزاني في 25 أيلول (سبتمبر) الماضي، وقوبل برفض المجتمع الدولي والحكومة المركزية وانتهى بفشل، على رغم الانتصار الكبير لأنصار ال «نعم». إلى ذلك، أكدت مصادر سياسية بدء الحوار، برعاية الأممالمتحدة، بين بغداد وأربيل مطلع العام المقبل، وأضافت أن رئيس الجمهورية فؤاد معصوم يشرف على التحضير لهذا الحوار، فيما أفادت معلومات بأن الحكومة الاتحادية ستصرف رواتب موظفي كردستان بعد الانتهاء من التدقيق في الأسماء للتأكد من أنها «حقيقية». ولم يحدد تاريخ لإطلاق الحوار، لكنه «سيكون بعد أعياد رأس السنة الميلادية برعاية بعثة الأممالمتحدة في العراق (يونامي)»، وأضافت المصادر أن «مكتب رئيس الجمهورية فؤاد معصوم يعمل على ترتيب الأمر بالتشاور بين الطرفين». ورجحت أن «تكون الأولوية بالنسبة إلى الإقليم حسم مسألة الرواتب والحدود وإدارة المطارات». ولفتت الى أن «ديبلوماسيين غربيين يعملون في العراق يضغطون من أجل إطلاق الحوار، بسبب مخاوف من أن تحول الأزمة دون سير إعادة البناء بعد داعش». إلى ذلك، أعلن مصدر مقرب من الحكومة الاتحادية أنها «ستطلب من الإقليم صرف رواتب الموظفين بعد التدقيق في الأسماء، على أن ترسل المبالغ إلى حساباتهم في مصارف حكومية». وأكد السياسي الكردي برهم صالح، خلال اجتماع مع وفد من بعثة الأممالمتحدة أن «التظاهر المدني والسلمي حق مشروع للمواطنين الذين يطالبون بحكم رشيد عادل وتحسين أوضاعهم المعيشية». وطالب «السلطات والأجهزة الأمنية بحماية المحتجين». اعتبر أن «إجراء انتخابات نزيهة وشفافة والعودة الى قرار الشعب الطريق الصحيح للتداول الديموقراطي والسلمي للسلطة». وشدد على ضرورة «حل المشكلات ومعالجتها عبر الحوار والتفاهم، بما يصب في خدمة العملية السياسية والأمنية بخصوصاً في ما يتعلق بالوضع المعيشي». إلى ذلك، دعا المرجع الديني محمد تقي المدرسي، المسؤولين إلى مساعدة كردستان. وقال في بيان: «نهيب بالمسؤولين في العراق أن يهرعوا إلى مساعدة إخواننا في الإقليم وذلك وحل القضايا العالقة، وإصلاح ذات البين كي لا تتحول التظاهرات المطلبية شرخاً كبيراً يضر بالسلم الأهلي ليس في الإقليم وحده وإنما في العراق كله». وتابع: «نذكر المسؤولين في كردستان بأن الدستور يكفل حق الناس في التظاهرات السلمية، وهكذا فإن أي استخدام للقوة ضد المتظاهرين مرفوض جملة وتفصيلاً»، مشيراً الى أن «الزلزال المؤسف الذي أصاب الإقليم بسبب الاستفتاء الذي لطالما حذرنا منه كما حذر منه كل الحكماء، ما زال يتسبب في ارتدادات مزعجة وعلى الجميع أن يتمتع بسعة الصدر والصبر لاحتواء الموقف».