صوتك أمانة، ومشاركتك مسؤولية، هذا هو العنوان الذي حملته لنا حملة الترويج لانتخابات أعضاء المجالس البلدية، التي تشرف عليها وزارة الشؤون البلدية والقروية، والتي تأتي لتوسيع مشاركة المواطنين في إدارة الشؤون المحلية، وصنع القرار عن طريق الانتخابات للوصول للهدف المنشود لرفع كفاءة الخدمات البلدية وتحقيق التنمية المستدامة. وما دام الأمر يدخل في سياق الأمانة والمسؤولية فلابد أن تكون الصراحة حاضرة، والشفافية عنواناً للمناقشة وطرح الآراء، وقد حصلتُ على نسخة من تقرير اللجنة العامة للانتخابات يحمل في طياته معلومات إسترشادية، وتقريراً مختصراً بالإنجازات التي حققتها المجالس البلدية في دورتها الأولى التي استمرت طيلة الأعوام الستة الماضية بعد التمديد لها لمدة عامين. سأتطرق في البدء إلى مقتطفات مما ورد في التقرير الصادر عن اللجنة العامة للانتخابات، إذ ذكر فيه عن تنفيذ القرارات «من خلال المتابعة اللصيقة لما تصدره المجالس من قرارات والوقوف على تنفيذها، تبين للوزارة أن عدم تنفيذ بعض قرارات المجالس يرجع إلى عدد من الأسباب تعمل الوزارة على معالجتها وتجنبها في دورة المجالس الثانية، ومن بين هذه الأسباب تقصير بعض الأمانات والبلديات وعدم التعاون مع المجلس، وتعارض القرارات مع الأنظمة واللوائح والتعليمات والاشتراطات البلدية، إضافة إلى صعوبة تنفيذ بعض القرارات، نظراً لما تتطلبه من اعتمادات مالية كبيرة، كما أن تنفيذ بعض القرارات يفوق إمكانات البلدية، هذا بجانب أن بعض القرارات تكون خارج اختصاص المجلس، كما أن ضعف متابعة بعض المجالس لما أصدرته من قرارات، إضافة إلى ارتباط بعض القرارات بموافقة بعض الإدارات الحكومية الأخرى، وضعف الإمكانات الوظيفية والمادية للمجالس البلدية وللإدارة العامة لشؤون المجالس البلدية». والسؤال الذي انطلق من رحم الدورة الأولى ولا يزال يواجه الدورة الثانية للانتخابات؛ هل وزارة البلدية والشؤون القروية سعت وعملت على معالجة الأسباب والعوائق التي وقفت حائلاً أمام تنفيذ قرارات المجالس البلدية في دورتها الأولى التي استمرت ستة أعوام؟ ولماذا لم تُصدر بياناً توضح فيه الإجراءات التطويرية والصلاحيات التمكينية للمجالس البلدية لتفعيل الأدوار المناطة بها، إتساقاً مع ما هو معمول به ومطبق في دول كثيرة؟! ولماذا تركت الأعباء تتراكم، لترحل تلقائياً للمجالس البلدية في دورتها الثانية وستنشغل بها عن أداء مهامها الأساسية؟! استخدم التقرير عبارات عمومية مبهمة، كما قرأنا، لم تحدد فيه أساليب المعالجة والتجديد والصلاحيات، ولم تكن هناك أي حوافز تشعرنا بالتغيير، ولا زلت أجزم أن المزاج الإداري للمسؤولين عن الوزارة يعيش حال من الصراع بين مقتضيات الإمساك بزمام الأمور البلدية بسلطة مركزية خنقت الأمانات والبلديات منذ زمن طويل، ثم جاء الدور على المجالس البلدية التي يقتصر دورها على التوصية وإصدار التقارير ولا حول لها ولا قوة في غير ذلك، وبين الانفتاح والتخلي عن صلاحيات جعلتها في عين العاصفة. لو فتحت الوزارة حواراً صريحاً مع مسؤولي الأمانات والبلديات وأعضاء المجالس البلدية - من دون خوف من تبعات - لتأكدنا بشكل قاطع أن الوزارة ببيروقراطيتها وسلطتها المركزية هي من يقف عائقاً أمام حرية حركة التطوير واتخاذ القرارات في الوقت المناسب، والتشجيع على التألق والابتكار والإبداع، بدلاً من أن يبقى دور الوزارة في الاهتمام والتركيز على التخطيط الاستراتيجي وتوفير أساليب الدعم والمساندة، وليس من خلال المتابعة اللصيقة، كما ذكر التقرير الذي يعطيها الحق في أن تكون مصدر الإلهام والخصم والحكم! وأشار تقرير اللجنة العامة لانتخابات أعضاء المجالس البلدية إلى أن المؤشرات (لاحظ المؤشرات وليس الحقائق) المتعلقة بأعمال المجالس البلدية تشير إلى أن المعدل السنوي لاجتماعات هذه المجالس بلغ 2471 جلسة، اتخذ فيها 4962 قراراً، نفذ منها 3426 قراراً بنسبة 70 في المئة، ومعدل الجولات الميدانية السنوية 1905 جولات و701 لقاءً عاماً، والسؤال المزهو بهذه الأرقام يطرح نفسه، ما طبيعة هذه القرارات، وحجم تأثيرها على رفع مستوى الخدمات البلدية وتحقيق التنمية المستدامة في أنحاء الوطن كافة؟! والسؤال الآخر الذي سيلتهم التقرير عن بكرة أبيه؛ هل كان ضمن هذه القرارات الصادرة من المجالس البلدية سرعة معالجة تصريف السيول ومياه الأمطار، التي لا تزال تهدد الكثير من المدن والقرى؟ وهل أخذت هذه القرارات بالحسبان إعادة رسم خريطة المدن لكشف الستار عن مجاري السيول وإزالة مخططات الفساد التي بعثرت معالمها؟! إذا كانت المجالس البلدية أوصت أو قررت وحذرت، فمن الذي أوقف وأعاق وتسبب في «التفاف الساق بالساق»، وجعل من غرق الناس في محافظة جدة هو «المساق»؟! من حقنا أن نعرف ما إذا كانت المجالس البلدية في دورتها الأولى أكملت مسؤوليتها وأدت الأمانة الملقاة على عاتقها أم لا؟ فإما أن نقدم لهم الشكر والتقدير على ما قدموه من جهد ومثابرة وصبر وإخلاص، وبالتالي نبحث عن المتسبب الذي وقف حاجزاً بينهم وبين تنفيذ ما أوصوا به وما اتخذوه من قرارات، أو يُوضّح لنا بكل صراحة عن المجالس البلدية التي لم تؤدِ دورها، ولم تحمل أمانة المسؤولية، لكي على أقل تقدير ومنفعة نتعرف على أعضائها ونتجنب التصويت لهم في الدورة المقبلة. التقرير لم يحدد من نجح ومن فشل من هذه المجالس، أطلق الإنجازات وفرض السلبيات على العموم فاختلط لدينا الحابل بالنابل، وأعتقد أن لهذا حكمة في أنفس المسؤولين عن وزارة الشؤون البلدية والقروية، وحملت لنا حملة الترويج للانتخابات دعاية لانجازات من فئة الخمسة نجوم، قرأتها على أنها مهام وليس إنجازات، وتُنافس في عموميتها وسحر مفرداتها ما تناقلته لنا الخطط الخمسية عبر العقود الماضية! الانتخابات البلدية ولدت ميتة لأنها لم توقظ فينا حوافز المشاركة لتحقيق ما نطمح إليه، ولأننا بدأنا ننظر إلى التجربتين السابقة واللاحقة بشكل مختلف، كما أن مآثر التجربة تجاوزت بنا حدود فهم ما كان وما يجب أن يكون، وبحاجة إلى أجوبة عملية، فلم نعد قادرين على خداع شعار الانتخابات البلدية، فالصوت أمانة والمشاركة مسؤولية. كاتب سعودي. [email protected]