قضى الكاتب الجزائري واسيني الأعرج أكثر من ثلاثة أعوام في التنقيب عن المرحلة الأخيرة من حياة الأديبة اللبنانية مي زيادة إلى أن ضمّن هذا الجزء المرير في روايته الأحدث «ليالي إيزيس كوبيا... ثلاثة مئة ليلة وليلة في جحيم العصفورية». وتنطلق الرواية من البحث عن مخطوطات مفقودة دونتها زيادة (1886-1941) أثناء وجودها في مصح عقلي شهير يقع في قلب مدينة بيروت وكان يسمى «العصفورية». ويشير الأعرج في كتابه إلى أن أجيالا متعاقبة ركضت وراء تلك المخطوطات في كل اتجاه لأكثر من 70 عاماً لكن من دون جدوى ويتساءل عن ما إذا كانت ضاعت حقا أم أن القدر شاء غير ذلك فرماها في بقعة مظلمة ليجعل العثور عليها مستحيلا. وبعد رحلة مضنية رافقته فيها الباحثة الكندية-اللبنانية روز خليل تمكن الراوي من العثور على هذه المخطوطات لدى امرأة عجوز في مصر وطابق بعضها مع أوراق معدودات وصل إليها من طريق مقربين من الأديبة الراحلة تحمل عنوان «ليالي العصفورية». وبعبارة «أخيرا دونتك يا وجعي وهمّ قلبي» التي كتبتها مي زيادة على ظهر المخطوطة يدخل الروائي واسيني الأعرج إلى الأيام السود التي عاشتها زيادة حيث كانت تحتضر على مهل في المصح العقلي كما ينقل عنها ضمن مخطوطاتها المستعادة. وبأسلوب سردي مشوق يعرض واسني الأعرج مرحلة الأيام الثلاثمئة لأديبة مصر ولبنان ويحصي عليها أنفاسها الضيقة داخل المصح ويختار اسم «ايزيس كوبيا» الذي كانت تستخدمه كاسم مستعار. وقال الأعرج على هامش حفل التوقيع إن كتابه يتناول الحياة الشخصية لأديبة استثنائية لف الغموض آخر سنواتها. ويضيف «سوف تستغربون أن كاتبا جزائريا من آخر الدنيا جاء ليكتب عن لبنانية ويبحث عن أماكن عاشت فيها من الناصرة في فلسطين إلى مصر ولبنان». وتابع «كانت لدي الحشرية لأن أذهب إلى الناصرة لأن معظم كتاباتها كانت تذكر فيها أصداء الكنائس والمآذن.. وحقيقة زرت منزلها هناك والمطل على المسجد الأبيض من جهة والكنيسة من جهة أخرى، وزرت السنديانة التي كانت تبقى تحتها». ويستغرب الأعرج عدم الاهتمام اللبناني بالأديبة الراحلة قائلا «عندهم قيمة ثقافية مثل مي زيادة لا يأتون إليها ولو رمزياً أو أن يصنعوا لها مزارا أو مقاما يليق بها لأن مي زيادة كانت أول أو ثاني امرأة في الوطن العربي ممن أسسن صالونا ثقافيا ناقشن فيه القضايا الكبرى مع كبار المثقفين من أمثال طه حسين والعقاد وجبران والريحاني». ويعتبر الأعرج المولود في العام 1954 أحد أهم الروائيين العرب وأغزرهم إنتاجا لجهة الرواية العربية وترجمت رواياته إلى 15 لغة.