جذبت الثورات التي تشهدها بلدان عربية عدة، الكاتب والفيلسوف اللبناني علي حرب، وحملته على التأمل فيها وعلى «تفكيك الديكتاتوريات والأصوليات». وقد صدر له حديثاً كتاب في هذا الصدد عنوانه «ثورات القوة الناعمة في العالم العربي» (الدار العربية للعلوم - ناشرون). يقول حرب إنه لم يكن في حسابه إصدار هذا الكتيب عن الثورات الجارية في أكثر من ساحة عربية، فما يضمّه من مقالات متفرقة هو قراءات من مداخل متعددة وزوايا مختلفة، في الأحداث المتسارعة والمتلاحقة، بمفاجآتها وصدماتها، بتداعياتها ومفاعيلها. وقد وجد أن جمْعها في كتاب يشكل مساهمة قد تُغني المناقشات الدائرة، عربياً وعالمياً، حول ما يشهده العالم العربي من تحولات وانعطافات تنقله من عصر الى آخر، لِتغيِّرَ وجهَ الحياة فيه، وتحرره من أسر التاريخ وحتمياته ولتشرِّع أبواب المستقبل وتفتح آفاقه. لكنه ركز على ما جرى في تونس، ثم في مصر، لأن الثورة في كل من هذين البلدين، نجحت بأقصى سرعة، وبأقل الخسائر في الأرواح والأرزاق، في تحقيق الحد الأدنى من أهدافها: سقوط النظام السياسي. الحد الأدنى، لأن ما يُنتظر من الثورة هو أن تغيِّر النظام الفكري بعدّته وعاداته وآلياته. ويرى حرب أن ما يشهده العالم العربي هو انتفاضات متعددة الأبعاد. إنها انتفاضات مدنية وسياسية واقتصادية، بقدْر ما هي تقنية وعقلية وخلقية، وهي الى ذلك عالمية بقدر ما هي عربية. إنها ثورات فكرية تجسد نموذجاً جديداً تتغير معه علاقة الإنسان بمفردات وجوده، بالزمان والمكان والإمكان، كما بالواقع والعالم والآخر، فهي أتت من فتح كوني جسّدته ثورة الأرقام والمعلومات التي خلقت أمام الأجيال العربية الجديدة امكانات هائلة للتفكير والعمل على تغيير الواقع، بتفكيك الأنظمة الديكتاتورية وخلخلة المنظومات الأصولية. وهذه الثورات ستُفضي الى تشكيل عالم مختلف تتغير معه برامج العقول وخرائط المعرفة وقواعد المداولة، وتتغير اللغات والعقليات والحساسيات، بقدر ما تتغير طرق إدارة الأشياء وممارسة السلطات وسوس الهويات. وهذا ما يؤمل بالثورات العربية أن تنجزه برأي حرب، فلا تكتفي بإسقاط الأنظمة السياسية، ولا تقتصر على استعادة أو تطبيق الشعارات المتعلقة بالحرية والديموقراطية والعدالة وحقوق الإنسان، وإنما تحاول تطوير هذه العناوين وإغناءها واعادة بنائها، بابتكار الجديد والفعال من الوسائل والصيغ والأنماط، وهي بذلك تشكّل اضافة قيِّمة الى الرصيد البشري، بقدر ما تغيِّر وجه العالم العربي.