دمشق، عمان، نيقوسيا - رويترز، أ ف ب - بدا أمس ان السلطات السورية اتخذت قراراً بالحسم الأمني في مدينة درعا الحدودية التي انطلقت منها شرارة الاحتجاجات قبل ستة أسابيع، ودخلها الجيش ل «مطاردة ارهابيين بعد تلقيه استغاثات من المواطنين» بحسب ما قال مصدر رسمي. وتزامنت الحملة التي أدت الى مقتل 25 شخصاً على الاقل، مع اقتحام بلدة نوى القريبة من درعا، إضافة الى حملة دهم واعتقالات استهدفت بلدتي دوما والمعضمية قرب دمشق، في وقت لوّح البيت الأبيض ب «خيارات سياسية عدة، بينها عقوبات محددة» ضد مسؤولين سوريين كبار بسبب أعمال العنف، كما شهد مجلس الامن تحركاً للمجموعة الأوروبية لادانة «استمرار القمع» في سورية. واعلن مصدر عسكري مساء امس ان وحدات من الجيش دخلت صباحاً الى مدينة درعا جنوبي البلاد ل «اعادة الهدوء والامن والحياة الطبيعية» تلبية ل «استغاثة المواطنين وأهالي درعا». ونقلت «الوكالة السورية للانباء» (سانا) عن المصدر قوله: «استجابة لاستغاثات المواطنين والأهالي في درعا ومناشدتهم القوات المسلحة ضرورة التدخل ووضع حد لعمليات القتل والتخريب والترويع الذي تمارسه المجموعات الارهابية المتطرفة، دخلت بعض وحدات الجيش صباح اليوم (امس) إلى درعا لإعادة الهدوء والأمن والحياة الطبيعية إلى المواطنين، وهي تقوم بمشاركة القوى الامنية بملاحقة هذه المجموعات حيث تمكنت من اعتقال العديد منهم، إضافة إلى مصادرة كميات كبيرة من الاسلحة والذخائر». وزاد ان «المواجهة اسفرت عن وقوع عدد من الشهداء والجرحى في صفوف الجيش والقوى الامنية، كما سقط عدد من القتلى والجرحى في صفوف المجموعات الارهابية المتطرفة». في الوقت نفسه، نقلت قناة «العربية» عن مصادر سورية قولها ان الحملة على درعا «هدفت الى منع خطط للإعلان في جامع العمري في المدينة عن إقامة إمارة إسلامية سلفية وتنصيب أمير عليها». وفي التفاصيل الميدانية، نلقت وكالتا «فرانس برس» و«رويترز» عن شهود وناشطين حقوقيين قولهم ان «قوات الجيش والأمن السوريين اقتحمت بعد صلاة الفجر بالدبابات مدينة درعا حيث اعتلى قناصة سطوح مبان حكومية، وبدأت إطلاق النيران عشوائياً وبكثافة على المنازل وخزانات المياه، كما قُطعت الكهرباء والاتصالات الهاتفية بالكامل تقريبا». وقال الناشط عبدالله أبا زيد لوكالة «فرانس برس» إن «25 شهيداً على الأقل سقطوا نتيجة القصف الكثيف»، موضحاً ان لديه لائحة بأسماء معظمهم، و«لا نعرف مصير البقية نظراً الى عدم وجود مشاف، ما يجعل الجرحى ينزفون حتى الموت». وتحدث عن اشتباك بين قوات الأمن والجيش، وقال: «أطلقوا النار على بعضهم بعضاً». في هذا الصدد، نقلت قناة «العربية» عن شهود قولهم ان اشتباكات وقعت بين الفرقة الرابعة المدرعة وبين قوات الجيش النظامي التي رفضت اطلاق النار على المواطنين. كما ترددت انباء عن ان ضباطاً ومجندين في درعا تركوا الجيش احتجاجاً على قمع المحتجين. وتزامناً مع عملية درعا، قال ناشطون امس ان قوات الامن تقوم بعمليات دهم في دوما والمعضمية قرب دمشق. وصرح شاهد في المكان بأن قوات الامن تنتشر بكثافة في دوما، وان «عدداً كبيراً من الاشخاص اعتقل في هذه البلدة». وكان شهود افادوا ان الطرق المؤدية الى «المناطق الساخنة» القريبة من العاصمة كانت مغلقة ليلا واقيمت فيها حواجز للتفتيش الهويات ولا يسمح بدخولها سوى السكان. وذكر المرصد السوري لحقوق الانسان امس لوكالة «فرانس برس» ان «الامن اعتقل العشرات اليوم (الاثنين) وامس في سراقب (شمال غرب) ودير الزور (شمال شرق) وفي الرقة (شمال) وفي دوما (ريف دمشق) وبانياس (غرب)»، مورداً أسماء المعتقلين. واضاف ان عدد قتلى بلدة جبلة الساحلية التي دهمتها قوات الامن اول من امس، ارتفع الى 13 مدنياً على الأقل. في هذه الاثناء، نفى مسؤول سوري اغلاق الحدود البرية مع الاردن، في حين تضاربت الانباء في عمان في هذا الصدد بين تأكيد الناطق باسم الحكومة طاهر العدوان اغلاقها من الجانب السوري، وبين نفي مصدر أمني أردني رفيع المستوى أي إغلاقات، عازياًُ الامر الى تخوف المسافرين من على جانبي الحدود من العبور. من جانبها، أفادت «الوكالة السورية للانباء» (سانا) ان وزارة الداخلية أوعزت امس الى جميع قيادات الشرطة والادارات المعنية «تقديم جميع الموقوفين عرفياً الى القضاء» بناء على احكام المرسوم التشريعي الذي اصدره الرئيس بشار الاسد الخميس الماضي وقضى ب «إنهاء حال» الطوارئ في البلاد. وفي ضوء اشتداد الحملة الامنية السورية، صعّد البيت الابيض لهجته ضد النظام، مؤكدا انه يدرس خيارات بينها فرض عقوبات محددة على مسؤولين سوريين. وقال الناطق باسم مجلس الأمن القومي الاميركي تومي فيتور ل «الحياة» أن «العنف الوحشي الذي تستخدمه الحكومة السورية ضد شعبها غير مقبول أبداً وندينه بأشد التعابير». واضاف ان ادارة باراك أوباما «تدرس خيارات سياسية عدة، من ضمنها عقوبات محددة للرد على القمع»، وللتأكيد أن «هذا التصرف غير مقبول». وتابع أن «مطالبة الشعب السوري بحرية التعبير والانعقاد والتجمع السلمي وقدرته على اختيار قياداته بحرية يجب أن تسمع». وكانت صحيفة «وول ستريت جورنال» توقعت امس أن يوقع أوباما مرسوماً رئاسياً بعقوبات تتضمن تجميد الأرصدة أو منع سفر مسؤولين سوريين قد تستهدفهم العقوبات. ورغم ان هذه الشخصيات لا تملك أرصدة مالية كبيرة داخل الولاياتالمتحدة بسبب العقوبات المفروضة منذ عام 2003، إلا ان هذه الإجراءات ستضيّق الخناق المالي في دول أوروبية وفي التعاملات التي يجريها هؤلاء والتي تمر عبر الولاياتالمتحدة. وفي نيويورك، يستعد مجلس الأمن لتناول الوضع في سورية في جلسة مغلقة اليوم يستمع خلالها الى تقرير للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن التطورات في الشرق الاوسط وشمال افريقيا يشمل الاوضاع السورية. وعلمت «الحياة» من مصادر ديبلوماسية ان الدول الاوروبية الاعضاء في المجلس (بريطانيا وفرنسا والمانيا والبرتغال)، بدأت بإعداد مسودة بيان في الشأن السوري «يدين مجلس الأمن بموجبه مواصلة القمع، ويشدد على ضرورة احترام الحكومة السورية حقوق الانسان، ويؤكد على اهمية الإصلاح والحق بالتظاهر السلمي». واستبعدت ان يتضمن الموقف الدولي «اجراءات في الملف السوري»، لكنها قالت ان ذلك يعتمد على ما ستكون عليه الاوضاع على الارض وما تمليه الاحداث. وتحرك اعضاء المجلس بحذر ملحوظ امس نظراً للحاجة الى اجماع الاعضاء على اي بيان يصدر، والحاجة الى موافقة روسيا والصين تحديداً. ولفتت المصادر الى مواقف حرجة للوفد اللبناني، خصوصا ان مندوب لبنان السفير نواف سلام كان في طليعة الذين طرحوا موضوع ليبيا بقوة امام مجلس الأمن. وقالت مصادر في الأمانة العامة للمنظمة الدولية: «نراقب عن كثب الوضع في سورية، كما نراقب ما سيصدر من مواقف عربية»، مشيرة الى ان «موقف الجامعة العربية بدفع من مجلس التعاون الخليجي، ساهم في دفع ملف ليبيا امام مجلس الأمن واستصدار اجراءات ضد نظام القذافي».