تبدو قضية علاقة الدول العربية متمثلة في جامعتها مع دول الجوار أمراً قلقاً تختلف فيه الرؤى وتتباين أحياناً، ولعلنا نفتح هذا الملف في تجرد وموضوعية خصوصاً أن الآونة الأخيرة قد شهدت اهتماماً متزايداً بهذه القضية، بل ربما كانت الأزمة الحالية التي تجري في البحرين هي أحد مصادر ذلك الاهتمام الدائم في كل الأوقات الطارئ في هذه الفترة بالذات. دعونا نقول صراحة أننا نقصد تحديداً العلاقات العربية - الإيرانية ثم العلاقات العربية - التركية وأيضاً العلاقات العربية بدول الجوار الإفريقي بما تحمله الأخيرة من أهمية في توصيف العلاقة المطلوبة بين العرب وأفريقيا. إننا نناقش هذه القضية العربية ذات البعد السياسي والثقافي والديني في ظروف حرجة تمر بها دول عربية مختلفة، لذلك فهي تحتاج إلى أكبر قدر ممكن من الوعي العربي والتضامن القومي خصوصاً أن المتغيرات المفتوحة في بعض الدول العربية تدعوها بالضرورة إلى مراجعة الشأن الخارجي وإعادة ترتيب الأولويات لأن الشعب الذي كان «يريد إسقاط النظام» قد أصبح يفكر في بلورة رؤية لما هو بعد ذلك، ولا شك في أن السياسة الخارجية ستستأثر بجزء كبير من ذلك الاهتمام. ونناقش الآن ما أوجزناه في ضوء التحولات الأخيرة في خريطة النظم العربية: أولاً: لم تنل علاقة دولية إقليمية درجة من الحساسية مثلما هي العلاقة بين إيران والدول العربية خصوصاً في منطقة الخليج. وما زلت أكرر دائماً أن لايران أجندة واضحة ليس أعلاها قيادة العالم الإسلامي وليس أقلها أن تكون دولة شرق أوسطية مؤثرة فكراً وسياسة ومذهباً وهذا أمر طبيعي بالنسبة الى القوى الإقليمية. ولكن هناك ثلاث قضايا عالقة بين العرب وإيران، أولها احترام سيادة البحرين والتأكيد على عروبتها، وثانيتها الدخول في مفاوضات جادة لإيجاد حل نهائي لمسألة الجزر الإماراتية الثلاث المغتصبة ولو باللجوء إلى التحكيم الدولي في مرحلة نهائية، كذلك فإن التسليم بعروبة العراق في ظل التعددية القومية في ذلك البلد العربي الكبير هو مطلب ثالث ينبغي على إيران تداركه دائماً، وأضيف إلى ذلك كله طريقة تعاملنا مع عرب الأهواز وغيرهم من الأقليات العربية في إيران وضرورة الاحترام المتبادل بين الدول العربية وإيران، وعدم التدخل في الشأن الداخلي في كل منها. فأنا ممن يظنون أن إيران دولة إسلامية كبرى ينبغي أن تسعى لأن تكون علاقتها بالعالم العربي إضافة له. ثانياً: إن وضع الجمهورية التركية مختلف. فالإرث العثماني ما زال قابعاً في العقل العربي كرصيدٍ لآخر خلافة إسلامية، والعلاقات العربية - التركية تختلف عن نظيرتها العربية - الإيرانية، إذ أنه بينما تقف إيران في مواجهة مع الغرب وتطرح برنامجها النووي بكل ما حوله من حوار وما يحيط به من مخاوف، إضافة إلى تصورها الخاص لطبيعة الصراع العربي - الإسرائيلي فإن تركيا على الجانب الآخر هي دولة عضو في حلف الأطلسي يحكمها تطلع شديد للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ولها علاقات ديبلوماسية كانت استراتيجية مع الدولة العبرية. لذلك فإن طبيعة علاقات الدول العربية بهاتين الدولتين من دول الجوار (إيران وتركيا) هي علاقات متفاوتة لا تقف على خط واحد مع غيرها من العلاقات، وأنا ممن يظنون أن العرب لم يحسنوا استخدام الديبلوماسية التركية في خدمة قضاياهم ودعم مواقفهم، وقد يكون شيء من ذلك قد تحقق في السنوات الأخيرة ولكنه لا يرقى إلى المستوى المطلوب. ثالثاً: إن العلاقات العربية - الأفريقية في هذه المرحلة تحديداً تتميز بقدر كبير من الأهمية ذلك أننا نريد أن نرى ارتياحاً إفريقياً عاماً تجاه السياسات العربية ولقد لاحظنا في السنوات الأخيرة بروز حساسيات معينة ظهرت على خطوط التماس بين بعض دول القارة الأفريقية وبعض دول الجوار العربي. إننا نتطلع إلى شراكة عربية أفريقية جرى الحديث عنها كثيراً ولكنها لم تبرأ من بعض الشوائب التاريخية والعنصرية. ونحن ندرك حجم الحساسيات الأفريقية تجاه الوجود العربي في بعض تلك الدول، ولست أشك أن مشكلة انفصال جنوب السودان ومشكلة دارفور تخضعان لأبعاد المعادلة العربية - الإفريقية خصوصاً في ظل الضغوط الشرسة التي يمارسها الغرب على حكومة الخرطوم بدءاً من الاتهامات المبهمة وصولاً إلى الابتزاز بقرارات المحكمة الجنائية الدولية. رابعاً: إن النظرة العربية إلى دول الجوار يجب أن تحكمها عوامل مشتركة لا أجندات قطرية لأن المصلحة العربية العليا تقتضي تعاملاً واحداً مع تلك الدول سواء أكانت إيران أم تركيا أم إثيوبيا. فهناك ملفات مختلفة تتجه إلى كلٍ منها، فإيران دولة تسعى الى الانتشار إقليمياً، وتركيا دولة تفكر في حزام استراتيجي يضم إيران والعراق وسورية وقد تنضم إليه السعودية ومصر، أما إثيوبيا فهي دولة جوار شديد الحساسية تجاه التاريخ العربي والإسلامي ولكنها طرف أصيل في موضوع ملف مياه النيل والأبعاد التنموية المحتملة تبعاً له للعلاقات العربية - الإفريقية عموماً. خامساً: إن جامعة الدول العربية في تعاملها مع دول الجوار إنما تضع أمامها طبيعة التطورات الأخيرة في الشارع العربي وما نجم عنها من انفعالات وتغييرات مدركين أن المنطقة تتبادل التأثير والتأثر وأن أي حدث يجري في المنطقة العربية يؤثر على دول الجوار والعكس صحيح تماماً، كما أننا نعلم حجم المشكلات الداخلية لدى دول الجوار الرئيسية وهي تعلم بالمقابل حجم تلك المشاكل التي يعاني منها الداخل العربي أيضاً، لذلك فإن التداخل الحضاري والميراث التاريخي يجعلان العلاقات متشابكة بين العرب ودول الجوار ويدفعان بها أحياناً إلى حسابات تحتاج إلى معالجات عصرية ملائمة. هذه أفكار عامة حول موضوع له خصوصية وحساسية وأعني به مستقبل العلاقات بين العرب وإيران وهو ملف هام في هذه المرحلة الجديدة التي تدخل فيها دول عربية إلى نظم حكم جديدة في ظل التغيرات التي جرت في الشهور الأخيرة وأفرزت قياداتٍ مختلفة وعناصر شابة. ويجب أن ندرك هنا أن الواقع الإيراني ليس بمعزل عن هذه التغيرات، فالأوضاع الداخلية في ايران مرشحة لمزيد من الاضطرابات والقلاقل، ولا نجد أحياناً التفسير المناسب لما يدور داخل أسوار تلك الدولة الإسلامية وتحت مسمى «الثورة الإيرانية». وإننا إذ نفتح هذا الملف فإننا نؤكد أن العرب يتطلعون إلى علاقات سوية وندية مع دول الجوار الآسيوي وشبه الأوروبي والأفريقي وأيضاً مع إيران وتركيا وأثيوبيا والدول المجاورة لها. إنني إذ أتطرق إلى هذا التحليل السريع فإنني احترم إرادة كل دولة عربية وخصوصية موقفها ولكنني أدرك في الوقت ذاته أننا في حاجة إلى موقف متجانس تجاه هذه القوى المجاورة. ويجب أن ندرك أن إسرائيل ترقب ما يجري عن كثب وتسعى لضرب العلاقات الطبيعية بين العرب وجيرانهم لأن الدولة العبرية كيان خارجي لا علاقة له بالمنطقة. وستظل علاقة العرب مع دول التخوم هاجساً لا ينتهي في عالم متغير وعصر مختلف ومستجدات غير مسبوقة. * كاتب مصري