أمس نشرت «الحياة» نص المبادرة الخليجية لحل أزمة اليمن. المبادرة استندت الى هدف جوهري هو «الحفاظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره»، وهي أول تحرك عربي، رشيد وجدّي، تجاه ما يجري في دول المنطقة من ثورات. أحزاب المعارضة في تكتل «اللقاء المشترك» ترفض أن تؤدي الحكومة برئاسة المعارضة اليمين الدستورية أمام الرئيس علي عبدالله صالح الذي يطالب الشعب برحيله. وهي تريد أن تبدأ المبادرة باستقالته، ومن دون شروط. لكن هذه ليست المشكلة الوحيدة، فالمبادرة نصت على ان «في اليوم التاسع والعشرين من بداية الاتفاق يقر مجلس النواب، بما فيه المعارضة، القوانين التي تمنح الحصانة ضد الملاحقة القانونية والقضائية للرئيس ومَن عملوا معه خلال فترة حكمه». هذه الفقرة التي وردت في الخطوات التنفيذية، ستصبح نقطة خلاف جوهرية الآن ومستقبلاً. فالحصانة المطلقة للرئيس ومَن عمل معه بحاجة الى معاودة نظر، ومراعاة عدم امتدادها الى جميع الذين عملوا مع الرئيس، واستثناء مساءلته وأسرته عن مصادر ثروتهما، وجعل الحصانة مقتصرة على حماية علي صالح مِن حكم بالسجن، وليس اكثر من هذا. لا شك في أن الظروف المعقدة لليمن، والخوف من تطور الأوضاع الى ما هو أسوأ، والسعي الى انهاء المشكلة بالسرعة الممكنة، فرضت على دول الخليج اعطاء علي صالح وأركان نظامه حصانة كاملة أملاً بدفعهم الى المضي في السير بالمبادرة، لكن هذه الحماسة جعلت المبادرة تبدو كما لو انها تهدف الى حماية الرئيس، على حساب مطالب الناس ومشاعرهم، وهي تجاهلت ان غالبية الشعب اليمني تطالب برحيل النظام بسبب الفساد والقمع، فضلاً عن ان الأيام الماضية شهدت سقوط قتلى على يد الأمن اليمني، وهذه قضية يصعب التعامل معها على طريقة عفا الله عما سلف. الأكيد أن المبادرة الخليجية طوق نجاة لليمن والمنطقة، ويجب ان تتحول الى خريطة طريق لحكم اليمن، بعد مرحلة علي صالح. وهذا يتطلب مقداراً كبيراً من التوازن بين مطالب الناس وشروط النظام للرحيل. دول الخليج تدرك أن الرئيس يسعى الى أخذ اكبر مقدار من المكاسب قبل الرحيل، والمعارضة تريد تكرار تجربة المصريين مع نظام مبارك. لذلك، على دول الخليج أن تتحلى بالصبر، وتتمسك بدورها، فالأيام المقبلة ستمنح المبادرة مزيداً من المرونة في كسب الجميع الى طاولة الاتفاق.