يرى الأردنيون في بلادهم إحدى واحات السلام والاستقرار التي باتت معدودة في العالم العربي. وعشية احتفاله بذكرى استقلاله، احتفل الأردن مجدداً باستقبال رأس الكنيسة الكاثوليكية، هذه المرة البابا فرنسيس الأول الذي اعتبر رحلته إلى المنطقة «رحلة حج» إلى الأماكن الدينية المقدسة احتشد فيها عدد كبير من الأساقفة الكاثوليك والأرثوذكس في مسعى من البابا لبناء جسور بين الكنيستين. وصلى البابا في عمان «للسلام والتعايش» في سورية والعراق ولبنان. (للمزيد) والأردنيون أيضاً «بناة جسور» بين المسلمين والمسيحيين، قال العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الذي استقبل البابا في قصر الحسينية بعد ظهر أمس بعد وصوله إلى عمان، المحطة الأولى في جولة ستشمل كذلك بيت لحم والقدس. وإذ تأتي الجولة وسط تكهنات بمفاجأة قد يطلقها البابا فرنسيس، وفي ظل احتدام جولات العنف في المنطقة وموجات التطرف وتهجير المسيحيين العرب، شدد الملك عبد الله «على الثمن المؤلم للصراع الطائفي والديني»، وتحطيم حياة البشر ب «معاول الظلم والعنف». وامتنع العاهل الأردني والبابا عن تسمية ما بات حدثاً يومياً في دول عربية عدة ينزح منها مسلمون، ويُهجر مسلمون ومسيحيون. الرسالة المشتركة التي سعى إليها الملك تجلت في تذكيره بإصدار رسالة عمان قبل عقد لتجديد «التأكيد على دعوة الإسلام إلى الوئام العالمي»، و»الرفض المطلق للادعاءات الباطلة لأولئك الذين ينشرون الكراهية ويزرعون بذور الفرقة». ما الذي تبدّل منذ 10 سنين سوى موجات العنف المحتدمة على ايقاع الرياح المذهبية والطائفية، والحروب المجانية؟ ولأن المناسبة ل «بناء الجسور»، وفي قاعة غصت برجال دين وديبلوماسيين وشخصيات من غير بلد عربي، خاطب البابا مضيفه الملك عبد الله قائلاً: «أنت رجل سلام وصانع سلام ... لعمان رسالة دينية». ولم ينس أن الأردن في ظل «التوترات الشديدة في المنطقة» يستحق «دعماً من المجتمع الدولي، إذ يستضيف لاجئين فلسطينيين وعراقيين وسوريين». وفيما حض العاهل الأردني على مساعدة سورية «لاستعادة مستقبلها ووضع نهاية لإراقة الدماء»، شدد البابا على أن الحل السلمي في سورية بات ضرورياً وملحاً، كما «الحل العادل» للصراع الفلسطيني - الاسرائيلي». كما أعلن أن أمنيته الخاصة من أجل السلام في المنطقة هي «تمتين العلاقات الطيبة بين المسلمين والمسيحيين». ونبه الملك عبد الله إلى أن «الطوائف المسيحية العربية جزء لا يتجزأ من منطقة الشرق الأوسط ... في الأردن تراث مسيحي عريق منسجم مع التراث والهوية الإسلامية لبلدنا. نحن نعتز بهذا الإرث». ولم يكن مفاجئاً أن يتناول البابا والملك في كلمتيهما المقتضبتين في قصر الحسينية الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، اذ شدد العاهل الأردني على أن «حرمان الفلسطينيين من العدل والخوف من الآخر، ومن التغيير، يحمل وصفة للدمار المتبادل»، مطالباً البابا بتسوية للصراع. كما جدد الملك التزامه «واجبه كهاشمي» حماية «الأماكن المقدسة للمسلمين والمسيحيين في الأردنوالقدس». وقال: «من موقعي كوصي عليها، إنني ملتزم الحفاظ على المدينة المقدسة مكان عبادة للجميع». وسيزور البابا في القدس المسجد الأقصى وحائط المبكى. وكانت وكالة «فرانس برس» نقلت عن الحاخام الأرجنتيني إبراهام سكوركا، صديق البابا خورخي برغوليو، والذي يرافقه في جولته على الأماكن الدينية، قوله قبل أربعة أيام أن الأول «سيتوجه حين يكون في القدس إلى جبل الزيتون لوضع باقة من الزهور» على ضريح ثيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية. ولفت سكوركا إلى أن هذه الخطوة ستكون سابقة في تاريخ البابوية. وحين سألت «الحياة» بعض المطارنة الذين شاركوا في استقبال البابا في القصر هل يقدم على مثل هذه الخطوة التي لن تشجع إسرائيل على تبديل موقفها في أي مفاوضات مع الفلسطينيين ولا في ملف القدس، تأرجح الجواب بين استغراب للنبأ، وعدم المعرفة به. من جهة اخرى، قال البابا ان مسيحيي الشرق الاوسط يشعرون بأنهم مواطنون يتمتعون بمواطنة كاملة، ويريدون المساهمة في بناء المجتمع مع مواطنيهم المسلمين، كما يستطيعون التعبير عن إيمانهم بكل طمأنينة، في إطار احترام الحرية الدينية التي تشكل حقا إنسانياً أساسياً، مضيفا: «آمل بشدة ان يؤخذ حق احترام الحرية الدينية في الاعتبار في كل مناطق الشرق الاوسط وفي العالم بأسره». وفي قصر الحسينية سألت «الحياة» بطريرك الطائفة المارونية بشارة الراعي عن زيارته الأولى لفلسطين، والتي تسجل سابقة لبطريرك ماروني، وهل هدأت العاصفة التي أثارتها مسبقاً لدى بعض القوى اللبنانية، فأجاب بأنه مطمئن إلى خطوته ولن يكترث: «فليقولوا ما يقولون، زيارتي رعوية (للموارنة الفلسطينيين) دينية، والقدس لنا جميعاً». وسئل كيف يقوّم ما آل إليه حوار الأديان وحوار الحضارات في ما يتعلق بالتعايش بين الديانات وسط عواصف العنف والقتل اليومي في المنطقة، فأشار إلى جماعات التطرف قائلاً إن «بعض العرب بات ينفذ مخططات غربية في المنطقة» لتفتيتها عبر إطاحة ذاك التعايش. واعتبر أن الخلاص يكمن في حل قضية فلسطين التي وصفها بأنها «كتلة من نار، ومن دون حل لها، لا يحلمن أحد في المنطقة». كما حض البطريرك الراعي على ايجاد مخرج لملف لبنانيين ما زالوا يعيشون في اسرائيل منذ تحرير جنوبلبنان من الاحتلال. وأقر بأنه ليس انصافاً لوطنهم ان يبقوا حيث هم. وفي سياق أزمة انتخابات الرئاسة اللبنانية، سألت «الحياة» سيد بكركي لماذا يظلم قادة الموارنة أنفسهم، فأجاب: «لا يظلمون أنفسهم. إن ما يحصل في لبنان هو تداعيات للصراع السني - الشيعي في المنطقة». وهل يتوقع انتخاباً قريباً، قال الراعي إن «الأمر رهن بمتى يتحقق التوافق السعودي - الإيراني».