انفجرت الثورة في وجه علي صالح، بعد موجة الثورات العربية، التي انطلقت شرارتها من تونس، وبلغت نيرانها صنعاء، التي ضمّت ساحاتها نصف مليون متظاهر، يهتفون برحيل صالح. كان صالح عنيداً لا يرفق بشعب أعزل إلا من أمنياته بالتغيير، بقيت الأحزاب السياسية متفرجة على الرصيف قبل أن يرغمها إصرار المتظاهرين على الالتحاق بهم، فشعر صالح بالخطر ووجه فوهة بنادق الحرس الجمهوري، الذي صمم لهذه اللحظة، لقتل المتظاهرين. تدافعت الأحداث حتى انفجرت قنبلة بجوار مسجد دار الرئاسة كادت تقتل صالح، الذي استنجد بالسعودية لعلاج الحروق، التي أتت على معظم جسده. قدمت المبادرة الخليجية مخرجاً آمناً، يحافظ فيه الرئيس السابق على ما تبقى من بيضة اليمن السعيد، وجرت الأمور بسلام في يد الرئيس الجديد عبدربه منصور هادي، الذي أخذ يقص أجنحة صالح بقرارات إعادة هيكلة الجيش اليمني، حاول أن يتمنع ويماطل، ولكن مخرجات الحوار اليمني، التي تلقى دعماً إقليمياً ودولياً، تفرض عليه الانصياع مقابل الحصانة، التي حصل عليها، وفاز بحمايتها. في الرمق الأخير من مرحلة التأسيس لحلم اليمنيين بخريطة طريق المستقبل، انقضت ميليشيا الحوثي الإرهابية على الشرعية اليمنية، التي يتمتع بها الرئيس هادي، وقضت على آخر آمال اليمنيين بالخلاص. جماعة الحوثي المؤدلجة، صغيرة وضعيفة إلى الحد الذي لا يمكنها من السيطرة على أطراف اليمن النائية، ولكن معونة الرئيس المنزوي صالح، الذي رأى فيها مطيته لاستعادة أمجاده، والانتقام من خصومه، ساعدت الحوثي على مطاردة الرئيس الشرعي هادي حتى غادر إلى السعودية، وطلب نجدتها في وجه أتباع إيران وأعوانها، التي تحالفت مع قوات صالح. تنازل طرفا الانقلاب عن ثأرهم القديم، بعد أن خيضت بينهما ست حروب منذ 2006 حتى 2010، وجاء قدر الحرب السابعة ليجمعها في وجه اليمن كله. واخترقت طائرات عاصفة الحزم، التي شنها التحالف العربي لدعم الشرعي بقيادة السعودية، أجواء صنعاء، وبددت أحلام الذراع الإيرانية وحليفها الجديد صالح من تسليم العاصمة العربية الجديدة إلى عهدة طهران. تستمر حرب استعادة الشرعية منذ ثلاث سنوات على وتيرة واحدة، حقق خلالها التحالف العربي سيطرة بنسبة 80 في المئة على الأراضي اليمنية، وكلما تقدم «التحالف» حسم من الرصيد الهش والطارئ لمصلحة صالح والحوثي وقلّص من تمدد الحلم السافر لهما. ولما اقتربت نذر الهزيمة القاسية لميليشيات إيران في اليمن، استفاقت عروبة صالح في ملحمة الأربعاء، وشعر باشتداد خناق القبضة الحوثية عليه، فاستشاط غضبه، وفك ارتباطه، وأعلن عروبة صنعاء، واستنفر أتباعه للهجوم على الحوثيين وطردهم من صنعاء، ولكنه في ما يبدو استعجل في قطف ثمار هذه الخطوة، ولم ينتهز الوقت المناسب لإمضاء لعبته المعهودة بالرقص من جديد على رؤوس الثعابين، إذ تمكنت الأفعى هذه المرة من لدغه وأردته قتيلاً برصاص ميلشيات الحوثي، وهو في طريقه مجدداً إلى بلدته سنحان، التي جاء منها راعياً للغنم، وعاد إليها رئيساً سابقاً لليمن.