تعيش الساحة الدرامية في مصر منذ اندلاع «ثورة يناير»، حالاً أشبه بلعبة القط والفأرة «توم وجيري» الكرتونية، والتي دارت آخر حلقاتها حول قيام عدد من شركات الإنتاج، إلى جانب عدد من أبطال المسلسلات التلفزيونية بتسريب عشرات الأخبار التي يؤكدون خلالها أنهم خفضوا أجورهم إلى النصف من أجل إنقاذ الموسم الدرامي، خصوصاً أن عدداً كبيراً من القنوات الفضائية، وتحديداً الدرامية منها أحجمت عن شراء مسلسلات جديدة بدعوى قلة الإعلانات التي كانت تتركز في غالبيتها على منتوجات السمن والزيت والمنظفات والبطاطا والمشروبات الغازية. هذه الأخبار تبدو في شكلها الخارجي محاولة لامتصاص غضب الجمهور الذي كان يسمع عن أجور فلكية للنجوم تتزايد في شكل سريع ومبالغ فيه سنوياً، بدعوى أن المسألة تخضع لظروف العرض والطلب. وكان النجم الذي يتقاضى أجراً يزيد على الملايين العشرة، يؤكد أن المنتج يكسب بسببه أضعافاً مضاعفة. وعلى رغم أن غالبية المسلسلات التي تصور تم التعاقد عليها وبدأ تصوير بعضها قبل اندلاع الثورة ومنها «فرقة ناجي عطاالله» لعادل أمام و «مسيو رمضان أبو العلمين حمودة» لمحمد هنيدي و «عريس دليفري» لهاني رمزي وسلمي المصري و «آدم» لتامر حسني ومي عز الدين و«سمارة» لغادة عبدالرازق و «وادي الملوك» لسمية الخشاب وصابرين، غير أن منتجي هذه الأعمال وسواها حاولوا امتطاء جواد الثورة فجأة، وطالبوا أبطالها بتخفيض أجورهم إلى النصف لاستكمال التصوير بدعوى عدم وجود سيولة مالية كافية. تخفيض الأجور إلى النصف لم يحدث في أي عمل، خصوصاً أن هذه الشعارات رفعت فقط لاستهلاك صفحات الفن في الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية، والدليل أن في الوقت الذي وافق عادل أمام على خفض أجره من 30 مليون جنيه إلى 20، طالب بنسبة من تسويق مسلسله إلى الفضائيات العربية، وهو ما تكرر مع محمد هنيدي. أما هاني رمزي فاتُفق معه على خفض أجره بنسبة عشرة في المئة، ووافق قبل أن يخفضه 5 في المئة ثانية بدعوى عدم توافر سيولة في مدينة الإنتاج الإعلامي، الجهة المنتجة للعمل، وحين طُلب منه تخفيض 5 في المئة أخرى، رفض. وتشابه موقف أسرة مسلسل «وادي الملوك» مع موقف هاني رمزي، خصوصاً أن منتجه كان ينوي تأجيله إلى العام المقبل على أن يسترد الأموال التي دفعها كعربون للممثلين والتي بلغت نحو 5 ملايين جنيه، لكن مقربين منه نصحوه بضرورة التصوير حتى لا تضيع عليه هذه الأموال. إذاً، المنتجون يتاجرون بأزمة السيولة وضرورة مراعاة مطالب الثورة في تحقيق العدالة في الأجور، على رغم أنهم كانوا أول من أشعلوا ثورة الأجور ودخلوا في مضاربات في ما بينهم، من خلال الدخول في مزايدات. ولم يقتصر طلب المنتجين تخفيض الأجور على نجوم العمل الذين يتقاضون الملايين، لكنهم طلبوا الأمر ذاته من فناني الصف الثاني والثالث والرابع والفنيين من عمال الديكور والإضاءة والصوت والإكسسوار وغيرها، الذين يتقاضون آلاف أو مئات أو عشرات الجنيهات، وهو ما يؤكد أنهم يتاجرون في كل وأي شيء. ولم تقتصر المسألة على هذا الأمر، لكنها امتدت إلى العملية الفنية نفسها، إذ طالبوا مؤلفي ومخرجي المسلسلات بتعديل أو إلغاء المشاهد التي تحتوي على مجاميع كبيرة (كومبارس) أو تستلزم التصوير في أماكن خارج القاهرة، ما يمكن أن يؤثر سلباً في جوهر العمل. في مقابل كل هذا يصرّ المنتجون على بيع هذه المسلسلات إلى الفضائيات بأسعار حددوها في حدها الأدنى بأسعار العام الماضي، ولأن أصحاب هذه الفضائيات أو المسؤولين عن التسويق فيها يدركون جشع المنتجين ومحاولاتهم لتحقيق أكبر مكاسب مادية ممكنة على حساب العملية الفنية وحاضرها ومستقبلها، خصوصاً أن قنواتهم المفتوحة على مدار اليوم تحتاج إلى كم كبير من المسلسلات، بادروا بعرض أسعار زهيدة لقاء عملية الشراء، ولم يقتصر الأمر على هذا، إنما لوّحوا بالتعاقد على مسلسلات تركية وسورية وخليجية يملأون بها ساعات الإرسال.