أيهما يأتي أولاً؟ تضمين حقوق النساء في الدساتير العربية الجديدة التي يُعاد سنّها؟ أم سن الدساتير والتريث في مسألة حقوقهن إلى مرحلة لاحقة؟ في مصر وتونس، ثار الرجال والنساء من شتى المراحل العمرية والطبقات الاجتماعية للمطالبة بالحرية والكرامة والعدالة والديموقراطية. ثورات الشعوب أنهت ديكتاتوريات ظلت قائمة لعقود، واعتبرها البعض غير قابلة للمس. هذه الثورات أثبتت للعالم كله أن التغيير ممكن. على مدى ثلاثة أيام تلاقت في اسبانيا مجموعة من النساء من عدد من الدول العربية التي تمر بمراحل انتقالية، إضافة إلى نساء من دول أوروبية يمثلن جمعيات ومنظمات حقوقية بدعوة من مجموعة العمل المعنية بالنوع الاجتماعي في الشبكة الأوروبية المتوسطية لحقوق الإنسان للبحث في مستقبل نساء المنطقة وحقوقهن. هذه الحقوق أشبه بزراعة الطماطم في حديقة البيت الخلفية. تقول المدربة والناشطة النسوية البريطانية ليزلي عبدالله أن بلورة ديموقراطية جديدة ومعها حقوق النساء فيها أشبه بزراعة الطماطم في البيت. «الثمرة النهائية ستكون حبات الطماطم، لكن طعمها ونكهتها وشكلها ستعتمد على نوع الرعاية وماهية التربة التي توجد فيها. وفي جميع الأحوال فإن الطماطم المزروعة في البيت هي أفضل أنواع الطماطم». وبمعنى آخر، ليس في الإمكان نقل سيناريو خاص بحقوق النساء في الديموقراطيات الجديدة من دولة إلى أخرى، بل يمكن الاستفادة من خبرات الدول الأخرى، على أن يكون الشكل النهائي إنتاجاً محلياً خالصاً. النساء العربيات شاركن في الثورات التي تم إنجازها ووجودهن واضح في الصفوف الأمامية في بقية الأرجاء التي تشهد تحركات في اتجاه التغيير عربياً. هذا الحضور القوي والصوت العالي الثوري لن يضمنا لهن وجوداً مماثلاً في مرحلة ما بعد الثورات والاحتجاجات، إلا إذا ...! تقول عبدالله: «لا نسمع هذه الأيام سوى نغمة تطالب النساء بالصبر. يقولون: نحن نغير المجتمع، وعن حقوق النساء أن ننتظر لحين نفرغ من المهمة الكبرى. لكننا نقول ان دولاً أخرى في العالم لم تنتظر، وضمنت دساتيرها الجديدة حقوق النساء لتكون ركيزة حقوقية لهن». وتضيف: «تضمين الدساتير حقوق النساء لا يضمن تطبيقها، لكنه بداية فاصلة. وتجدر الإشارة إلى أن غياب حقوق المرأة أو عدم وضوحها في الدستور الجديد يمكن استغلاله من جانب الحكومات المستقبلية والمحامين والمحاكم لحرمانها من حقوقها». وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن دستور دولة جنوب إفريقيا الذي تمّ سنّه عقب انتهاء حكم التمييز العنصري يُعدّ بمثابة وثيقة قانونية نسائية بامتياز. وينص دستور ناميبيا على المساواة والتحرر من التمييز وعلى أن الجميع متساوون أمام القانون، ولا يجوز التمييز بحق أحد بسبب الجنس أو العرق أو اللون أو الأصل الإثني أو الدين أو العقيدة أو الوضع الاجتماعي أو الاقتصادي. وفي رواندا، تلتزم الدولة بمنح النساء 30 في المئة على الأقل من المناصب في هيئات صنع القرار. وفي نيبال يتحتم على الأحزاب السياسية أن تضمن التمثيل النسبي للمرأة، والنساء المهمشات، والقبائل المستضعفة (القبائل الأصلية)، وغيرها من المجموعات، بما يتوافق وما نصّ عليه القانون. وفي العراق، لو لم تصبح الكوتا التي تنص على منح النساء 25 في المئة من مقاعد البرلمان مطلباً دستورياً، لتقلصت نسبة النساء اللواتي يدخلن البرلمان، بدلاً من أن تحصل النساء على 82 مقعداً من أصل 325 مقعداً (31 في المئة للنساء). الغريب أن وضع حقوق النساء في إسبانيا، حتى أواخر سبعينات القرن الماضي كان شديد الشبه بحقوق النساء في غالبية الدول العربية. وتوضح بيغونا سان خوزيه، من منتدى السياسات النسائية الإسبانية وإحدى أشهر النسويات في إسبانيا، تجربة النساء الإسبانيات من عصر فرانكو وقت كان دور المرأة الإسبانية منحصراً في البيت والأسرة، إلى أن تحركت المرأة ونصّ الدستور الإسباني على المساواة، وهو ما تم تعضيده بتحرك مستمر للمرأة الإسبانية لضمان حقوقها الكاملة. لكن الفروق الثقافية والخصوصيات الدينية التي تفرض نفسها على العالم العربي، تحتم تناول حقوق النساء بشكل مختلف. وربما هذه الخصوصية هي ما أجّجت الخلاف في قاعة الاجتماع حول الصيغة النهائية للبيان الذي خرج عن الاجتماع من أجل الدعوة إلى المساندة والتضامن مع نساء الدول العربية التي تمر بمراحل انتقالية تحت عنوان «لا ديموقراطية من دون مساواة بين الرجال والنساء». وبما أن الديموقراطية لا يمكن أن ترتكز إلا الى المساواة، فإنه ينبغي أن تتمتع النساء بحقوق المواطنة كافة في القانون وأمامه. وفي كل المجتمعات، ولا يمكن تحقيق المساواة الكاملة إلا من خلال قانون يفصل بين الدين والسياسة، وإعطاء أولوية كاملة لحقوق الإنسان قبل أي اعتبارات ثقافية أو دينية. ويطالب البيان كل القوى الديموقراطية في جنوب المتوسط وشماله بأن تعبّر عن تضامنها مع الثورتين المستمرتين في كل من مصر وتونس، إضافة إلى الحركات الشعبية التي يقودها شباب في عدد من دول المغرب العربي والشرق الأوسط. ويطالب الشباب بوجه خاص، وهم العامل المحرك الأول للثورات، بأن يشتركوا في بناء مجتمعات جديدة من خلال فرض احترام كامل للقانون والمساواة. الناشطة السياسية آمال عبدالهادي من «مؤسسة المرأة الجديدة»، ترى أن خصوصية الوضع في مصر تجعل الحديث عن المساس بالمادة الثانية من الدستور المصري الذي كان قائماً والذي ينص على أن الإسلام هو دين الدولة وأن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع أمر غير منطقي في هذه المرحلة. لكنها في الوقت نفسه تطالب بأن ينص الدستور الجديد على المساواة بين الجنسين بشكل كامل. وعلى ما يبدو فإن الاساليب المقترحة لضمان حقوق النساء في الدول العربية التي تمر بمراحل انتقالية تختلف شكلاً وموضوعاً عمّا كان. فالحديث عن حركات نسوية أو جميعات لا تضم سوى نساء تطالب بالحقوق أمر غير منطقي في ظلّ الظروف الراهنة التي قامت فيها الثورات بمشاركة مواطنين مقهورين من الجنسين. وتقول عبد الله إنه يجب العمل على جذب رجال يؤمنون بقضية المساواة وبحتمية دور المرأة في المجتمع. كما أن عصر تولي نساء مناصب قيادية أو وضعهن في البرلمان كنوع من الديكور الإضافي ولّى، فالمطلوب نساء قادرات على القيام بالمهمات الملقاة على عاتقهن، وما أكثرهن! من جهة أخرى، تشير التجارب التاريخية إلى ضرورة الإبقاء على سقف المطالب عالياً، وذلك للوصول إلى نتائج معقولة في حال تحقيقها. لقد اعتاد الرجال أن يطالبوا بالنساء بالانتظار من أجل نيل حقوقهن بحجة ترتيب الأولويات التي يبدو أنها لا تنتهي، ومن ثم يطول انتظار النساء لأجل غير مسمى. كما اعتاد الرجال أن يتذرعوا بحجة أن «ذلك لم يحدث من قبل». وليكن الرد المناسب هو «لم يحدث من قبل أن استخدم أجدادنا وآباؤنا الهواتف المحمولة والإنترنت، لكن ها هم يفعلون ذلك الآن».