يعجبني في «الخطوط السعودية» أنها تتعامل دوماً بطريقة احترافية على مستوى خط الدفاع، وتمتص الهجوم بشكل «تلقائي»، ولاعتياد الشكاوى وعشق الفوضى دور في ذلك، يعجبني أن جل موظفيها لا يعرفون أن الابتسامة عمل سهل جداً، ولا يتطلب سوى إجراء تمرين بسيط للشفاه باتجاه اليمين واليسار، يعجبني أنك تشعر أن مسؤوليها في وادٍ وموظفيها في وادٍ آخر، وليس هناك قدرة لدى مسؤول متحمس أن ينزل لممرات المطار ويتابع سير الحجوزات ويتابع المسافرين، ليشاهد أين تكمن المعاناة، ومن أين تمرر بطاقات صعود الطائرة؟ وكيف تذوب أسماء من قوائم السفر وتحل أخرى تأتي ربما من السماء؟ لا نطلب من المسؤول تواضعه ونزوله من البرج العالي كل وقت، ولا أن يرتدي اللبس الرسمي للناقل، لأنه ربما يكون ضيقاً أو غير لافت لارتباطه في ذهنية المسافر بشيء من الغرور واللامبالاة وتمضية الوقت في خدمة صاحب رسالة نصية أو اتصال سريع خاطف، نريد منه أن يشرفنا في الميدان بالثوب الأبيض الجميل والشماغ الأنيق، وينصت فقط لأحاديث من كانت الحقيبة وسادته، وصدره وسادة أطفاله، نريده أن يستمع بجدية ورغبة في الحل إلى أي صوت يتحدث، لا يقنعهم جميعاً أو يهلك جسده المعتاد على مكتب مكيف ومغرٍ، لكن ليعرف أولاً ماذا يدور في أرض المطار؟ وكيف يتعامل الموظفون؟ وما المهارات التي يمتلكونها في التعامل مع الآخرين، ويبدأ «روشتة العلاج» لأنها ما سبق ملخص «أورام الخطوط السعودية». يعجبني في الناقل الوطني الذي يعتز بخدمتنا، ويشكرنا على اختياره - متناسياً كونه وحيداً بلا أخ - أنه يضع في أذنه اليمنى «طيناً»، والأخرى «عجيناً» إذا كانت المعاناة منقولة على لسان مواطن بسيط ذنبه الوحيد أنه وثق في الناقل، وصدق جودة الخدمة، وقام بتبجيل واحترام أفراد الناقل الجوي، وكان ذلك في غير محله، ويعجبني أكثر أنها تتفاعل وتتألم وتتحدث بمنطقية وعقلانية وتشعر بالخلل والعجز والنقص إذا مست أخطاءها مواطناً/ مسؤولاً من الوزن الثقيل. يعجبني في الخطوط السعودية أنها أبرع من يشرح «ماذا يعني الانتظار»؟ وكيف يتم في صورة تُشَاهَد ولا تُشْرَح؟ هي المتفردة في صناعة علاج ومسكن موقت «للانتظار» لا يحدث إلا هنا يتمثل في «قارورة» عصير؟ وقطعة «كيك» تملأ بطون الصغار لكنها لا تسكت أفواه الكبار ووجعهم. التبرير والاعتذار هما نتاج الصداع الذي تسببه رحلات الجو مضافاً إليه حال الاهتراء والفوضى والتعالي التي تتوزع في ممرات المطارات وساحات الانتظار، التي ترتفع وتنخفض بشكل عكسي وربما طردي اعتماداً على عدد الأشرطة التي تكون موجودة على الكتف. استمتعوا معي بهذا الفاصل: «على ركاب الرحلة رقم (...) والمغادرة بإذن الله تعالى إلى مطار (...) التوجه إلى البوابة رقم (...) استعداداً للمغادرة»، أرجوكم ألا يسعى أحد أن يتلاعب في نص هذا الفاصل فهو أحد أجمل النصوص التي تُسْمع في مطاراتنا، لكن حين يكون على الموعد وبلا انتظار ومن دون غضب أو منة! لكي لا يضطر مسافر جوي محلي إلى التشنج والانهيار والاضطرار لاستعارة نقطة «الخاء» وطبعها على ال «طاء» الأولى والثانية في مسمى الناقل العزيز. [email protected]