يواصل العقيد الليبي معمر القذافي قتل شعبه، ولم يتراجع عن بطشه، على رغم مرور أسبوعين على ضربات قوات الناتو الجوية. وتوجه دول «الناتو» وتحالف الشركاء أصابع اللوم الى بعضها بعض خائبة من مسار الأمور، في وقت يفترض بها صوغ هدف جديد وتحديد وجهة العملية في ليبيا. وفي اجتماع الدوحة بقطر، أحرز مسؤولون غربيون وعرب وأفارقة تقدماً في بحث المسألة. ودعوا العقيد القذافي الى التنحي، والتزموا السعي الى رفع التجميد عن أصول ليبية لتمويل المتمردين، وطالبوا بالتوصل الى حل سياسي. وفي اليوم التالي، أخفق وزراء خارجية دول «الناتو» في تذليل خلافاتهم على تفاصيل دقيقة وثيقة الصلة بالحرب التي بدأها الحلف قبل 3 أسابيع لوقف هجمات طائرات القذافي المقاتلة والمروحيات والدبابات والصواريخ. ومرد الخلاف الرئيسي بين أعضاء «الناتو هو السبيل الى إقناع القذافي بالتنحي. وينظر البريطانيون والفرنسيون بعين الخيبة الى إخفاق قوات «الناتو» الجوية، وهذه تعمل وفق تفويض من مجلس الأمن، في وقف قصف القذافي مدينة مصراتة المحاصرة منذ 6 أسابيع. وجرت العادة على أن تطول المواجهة بين معارضة ضعيفة التدريب والتنظيم وبين ديكتاتور لا يرحم على رأس جيش مجهز ومدرب. ومثل هذه المواجهة عسير وشائك. ولكن النزاعات التكتيكية بين دول «الناتو» وافتقارها الى أهداف واضحة تسهم في مفاقمة الصعوبات. وغلبت كفة الطائرات الأميركية في المرحلة الأولى من الضربات الجوية، ثم تولت المسؤولية فرنسا وبريطانيا وقيادة أطلسية غير أميركية. واليوم، يحبط القذافي جهود «الناتو» من طريق إخفاء الأسلحة الثقيلة في مناطق اكتظاظ سكاني. وتدعو باريس ولندن الى رفع عدد الدول المشاركة في مهاجمة الأهداف البرية، وعدم الاكتفاء بفرض حظر جوي. والطائرة الأميركية «آي-10» المضادة للمدرعات والدبابات وأسلحة «آي سي – 130» للهجمات البرية هما من الأسلحة الوحيدة المهيأة لتوجيه ضربات دقيقة محددة على أهداف برية من غير تهديد حياة المدنيين. والرئيس أوباما مدعو الى السماح لمثل هذه الطائرات بالعمل تحت لواء «الناتو». وفي وقت تغرق الولاياتالمتحدة في مستنقع حربين في العراق وأفغانستان، الرئيس أوباما مصيب في قرار التراجع عن قيادة التحالف وتسليمها الى الأوروبيين. فالدول الأخرى، ومنها إيطاليا وإسبانيا وألمانيا وهولندا، مدعوة الى بذل مزيد من الجهود. وإلى اليوم، اقتصر عدد الدول المشاركة في توجيه الضربات الأطلسية على ست دول من 28 دولة منضوية في التحالف. ويحتاج «الناتو» حاجة ماسة الى التعاون تعاوناً وثيقاً مع قوات التمرد في اختيار الأهداف البرية. والحق أن ليبيا تمتحن قدرة «الناتو» على النجاح في عملية لا تتولى الولاياتالمتحدة قيادتها، بل تؤدي فيها دوراً مسانداً. والمحصلة ملتبسة ومتفاوتة. والتوصل الى حل سريع وسلمي هو من مصلحة أوروبا، وإيطاليا على وجه التحديد. فهذه تواجه مخاطر تدفق موجات المهاجرين إليها. وحريّ ببريطانيا وفرنسا حمل شركائهم الأوروبيين على إدراك أن استقرار ليبيا مصلحة أوروبية. والتحالف مدعو الى بحث احتمال السماح لبعض الدول تسليح المتمردين بأسلحة دفاعية وتدريبهم. وقدمت قطر طائرات للإسهام في فرض الحظر الجوي، وساعدت المتمردين على بيع النفط لشراء العتاد. ومنحت بريطانيا المتمردين 1000 درع مضاد للرصاص. ولا فائدة ترتجى من بقاء الديكتاتور في الحكم. وحريّ بالغرب وحلفائه الاستعداد لمتابعة الضغط السياسي والاقتصادي والعسكري الى حين رحيله. * افتتاحية الصحيفة، عن «نيويورك تايمز» الأميركية، 14/4/2011، إعداد منال نحاس