أضاف المحفل الخماسي المتأسلم الذي يحكم السودان خزياً جديداً إلى سلسلة المخازي التي ألفى نفسه ملطخاً بها، بعدما نجح الجيش الإسرائيلي في تطويل ذراعه لتصل ضرباته الجوية إلى مطار بورتسودان، على ساحل البحر الأحمر. ليس الخزي أن تهاجم إسرائيل السودان، بل إن الحادثة التي أسفرت عن مقتل أحد عناصر حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وأحد ضباط جهاز الأمن والمخابرات السوداني كشفت حجم العمالة حتى لإسرائيل في صفوف الأمن السوداني، وهو الجهاز الذي ظلَّ يزعم منذ وقوع انقلاب ما كان يسمى «الحركة الإسلامية» في عام 1989 أنه حامي البلاد والعباد من تجسس الاستخبارات الأجنبية التي أضحت تسرح في السودان وتمرح إبان العهد الديموقراطي الذي وأده انقلاب محفل التجسس والتخريب وتسييس الدين. لم تكن الغارة الإسرائيلية على مطار بورتسودان في 5 نيسان (أبريل) الجاري مفاجأة لأحد سوى وزير دفاع النظام عبدالرحيم محمد حسين، الذي أضاف طرفة جديدة لسجلِّه في العمل الوزاري بإعلانه أن السودان يحتفظ لنفسه بحق الرد على إسرائيل. بِمَ سيرد عليها؟ بتقتيل مزيد من السودانيين أم بالقبض على عملاء إسرائيل داخل أجهزة النظام الذين نسَّقوا مع «الموساد» لمتابعة تحركات القيادي «الحمساوي» الآتي من الخرطوم ل «توضيب» نقل السلاح عبر سلسلة جبال سيناء حتى أنفاق غزة على الحدود مع مصر؟ وهل ذلك التنسيق بحاجة إلى دلائل؟ لقد كانت الغارة الإسرائيلية من الدقة بحيث أصابت الهدف في مقتل. وكيف لها أن تصيبه لو لم يقم عملاء «الموساد» السودانيون بوضع علامة إلكترونية على السيارة المستهدفة؟ وهي ليست المرة الأولى التي تُلْحِقُ فيها أذرع «الموساد» الخراب بسودانيين وسياراتهم. ففي مطلع هذا العام أغرقت إسرائيل سفينة قبالة ساحل بورتسودان، يعتقد بأنها محمّلة بأسلحة إيرانية إلى بورتسودان ومنها بالتهريب البري إلى غزة. وفي عام 2009 شنّت إسرائيل غارتين على قوافل مهربي الأسلحة السودانيين قرب الحدود مع مصر، وأسفرت هاتان الهجمتان عن مقتل نحو 1000 مواطن سوداني، بحسب نشطاء قبائل ولاية البحر الأحمر، أو 119 بحسب حكومة محفل الخرطوم. وطبقاً لمعلومات المعاهد الاستراتيجية وأجهزة الاستخبارات الغربية، فإن سلاح حزب الله يمرّ أيضاً عبر بورتسودان. ويعني ذلك أن المحفل الخماسي الحاكم حوّل البلاد إلى قطب يدور في فلك إيراني، لتنضم بذلك إلى محور طهران - دمشق - حزب الله - حماس الذي يهدد السلام في المنطقة ويزيد احتمالات وقوع حرب، خصوصاً في لبنان الذي يريد حزب الله إما التهامه بالكامل تحت عباءة الولي الفقيه حسن نصرالله أو إغراقه في طوفان الدم والجريمة والاغتيالات، وهو مصير نسأل الله أن يسلِّم لبنان واللبنانيين منه. وتثير سياسات النظام السوداني المتأسلم مخاوف من أن يصبح السودان الشمالي (بعد انفصال الجنوب في تموز (يوليو) المقبل) ضلعاً من أضلع مثّلث زعزعة استقرار المنطقة، إذ لا تزال ثمة علامات استفهام عن تعاون محتمل بين الخرطوم والحوثيين في اليمن. وكلها سياسات لا دخل للشعب السوداني المغلوب بها، فهو مسالم ومعتدل ويعتز بعلاقته التاريخية والمصيرية مع اللبنانيين والفلسطينيين وشعوب بلدان الخليج العربي، وهو ليس بحاجة إلى «فهلوة» تجار السياسة والتجسس وتسييس الدين ليعيش على مغانم تهريب السلاح وما يجود به «الموساد»، بل هو شعب قوي باعتزازه بتركيبته الوطنية الفريدة، وعمق شعوره القومي تجاه العروبة والإسلام وانتمائه إلى القارة السمراء، وكلها مركبات وعناصر لا تكون مفيدة إلا بالتآلف والتعايش والمحبة الحقّة وتبادل المنافع. ولعلَّ غارة إسرائيل على بورتسودان (2011) تأكيد لخطورة محفل الإنقاذ الذي رمى كبيره الذي علمه السحر حسن الترابي وطفق يطبِّق سياساته ونظرياته ومؤامراته لجمع الحركات الإسلامية المتطرفة، وتوفير السند والمأوى لها، معتقداً بأنها ستسنده في مقبل معاركه بعد ذهاب الجنوب، خصوصاً القضاء على ثوار دارفور، وضرب الدولة الجنوبية الوليدة، وسحق أي تطلعات انفصالية لثوار كردفان الذين بدأوا تنسيقاً مع مقاتلي دارفور يتوقّع أن يُحدث نقلة نوعية في تمرد أقاليم غرب السودان التي يبدو أنها عاقدة العزم على ألا تُساق غصباً إلى تحالف السودان الشمالي تحت عصي عصابات وميليشيات محفل الإنقاذ. كنت حذَّرت مراراً من أن الضربة الموجعة ستأتي للنظام السوداني من داخله، وليس من خارجه. وأشرت إلى الميليشيات الحكومية المتعددة في صفوف أجهزة الأمن والمخابرات، ويتبع كل منها لأحد الأقطاب الخمسة المتنفِّذين، وكذلك الأسلحة الضخمة التي دفنت في أماكن عدة يعرفها من انشقوا عن النظام. والأسوأ من ذلك أن مئات الآلاف من شباب السودان الذين تم تسخيرهم في التدريب ضمن ميليشيا قوات الدفاع الشعبي هم الذين سيصوِّبون بنادق «الكلاشنكوف» إلى صدور قادة النظام الذي عمد إلى تجييش الشعب وتلقينه عنف «الجهاد» ضد غير المسلمين من بني جلدته، وهو الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى انسلاخ الجنوب، وزاد تطلعات الغرب والشرق، بل وسط السودان، إلى الانعتاق من ربقة التطرف والتذاكي باسم الدين. هكذا انتهى نظام المشير عمر البشير بعد وعود كاذبة بتطبيق الشريعة إلى وكر لعملاء «الموساد» الإسرائيلي، ومن يدري فلربما كان ذلك جزءاً من الصفقة التي انبطح بموجبها لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بعد قصف مصنع للأدوية في الخرطوم بحري في عام 1998، هل ثمة خزي وعار أكثر من ذلك؟ إذاً محفل الإسلام المسيّس قد دنا عذابه. * كاتب وصحافي من أسرة «الحياة». [email protected]