استطاع المخرج والمصمم المصري الشاب طارق حسن تحقيق معادلة صعبة تتلخص في تقديم فن راقٍ يصل إلى الجمهور العادي ببساطة من خلال عرض «علي الزيبق» الذي أخرجه لفرقة «فرسان الشرق» التابعة لدار الأوبرا المصرية التي تولى أخيراً منصب مديرها الفني. وتأسست «الفرسان» عام 2010 على يد الفنان اللبناني وليد عوني لتقديم أعمال مستلهمة من التراث المصري الشعبي عبر الرقص التعبيري والرؤية التشكيلية المعاصرة، والواضح أن طارق استوعب تماماً أهداف الفرقة وإطارها الفني جيداً ولهذا نجح في تقديم عرض بمفردات تعبيرية ورمزية ملائمة لها تماماً. يدور العرض حول الرواية التاريخية الشعبية «علي الزيبق» التي تدور أحداثها في عصر المماليك، والتي سبق أن قدمها التلفزيون المصري في مسلسل تلفزيوني. وتدور أحداث الرواية، حول قصة البطل علي الزيبق الذي واصل طريق والده حسن رأس الغول في مقاومة الفساد والظلم، ولكن بطريق الحيلة والألاعيب والتخفي والتنكر التي انتصر من خلالها في النهاية على الشر، ليصبح بطلاً مصرياً راسخاً في وجدان الشعب وتناقلت سيرته الأجيال. ويحسب للمخرج اختياره هذا الموضوع الثري بشخصياته المتناقضة والتي تعرفها الجماهير جيداً. وكان توقيت العرض مناسباً لإسقاطه على الحاضر الذي تعيشه مصر حالياً، لأنه يدور حول فكرة مجردة وعامة تتلخص في أن القوة الحقيقية في اتحاد الشعب، والتي هي وراء انتصار الزيبق وحيث عبر عنها المخرج وفريق العمل معه بكل الوسائل الفنية المتاحة. وكان المشهد الأول كافتتاحية تمهيدية جيدة كشفت ما سنشاهده، ووظف الحوار بشكل جيد من جانب كل من صاحب الرؤية الدرامية طارق راغب ومدرب التمثيل هاني حسن وبعيداً من الخطابة. وكان المشهد عبارة عن مجموعة كبيرة ترتدي أزياء متشابهة ولكن من دون ملامح واضحة يقولون العبارة التي تلخص العرض وهي: «نحن حقاً متشابهون، إذا اتحد الشعب أصبح السلطة، وإذا التزم الصمت أصبح عبداً، وإذا فقد الأمل أصبح ميتاً... الشعب يحكم». وعقب ذلك ينزع الممثلون ملابسهم ويلقون بها في الصالة ليظهر تحتها ملامح الشخصيات الحقيقية من خلال ملابسهم وماكياجهم وينكشف ديكور المسرح الذي أعده المهندس محمد الغرباوي بحرفية، حيث نجد كرسي الحكم في النصف العلوي من المسرح والجزء الأسفل للشعب، ونجد المؤامرات الشريرة تحاك من الأعلى ثم تنفذ على الأرض. وفي مشهد بديع يتحول الكرسي إلى مقصلة تقطع رؤوس الثوار التي تلقى على الأرض. وفي الختام يصعد الناس إلى أعلى ويحطمون الكرسي مصدر الشر ويحكمون ويصبحون هم السلطة. بين البداية والختام عكس المخرج فكرته من خلال مشاهد ترتيبها الزمني جاء طبقاً للرواية المعروفة، ولكن عبر تفاصيل حركية ورؤية تشكيلية فيها فكر تصميمي على رغم أنه جاء بسيطاً وتقليدياً. أجمل ما في العرض الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة التي تؤكد الفكرة والتي جاءت من خلال مشاهد من الصعب أن تبرح ذاكرتك ومنها على سبيل المثال لا الحصر المشهد الذي يلي مقتل حسن رأس الغول والذي يعبر عن ميلاد علي الزيبق والجيل الجديد في الكفاح، من خلال خروج قطعة قماش كبيرة على هيئة الكيس الذي يوجد في رحم الأم عبر حركات بالأيدي والأرجل، وكل عضلات الجسم معبرة تماماً عن الميلاد. واستُخدم القماش هنا للتعبير عن فكرة المخرج، إضافة الى الحركة والموسيقى مع الإضاءة وتذبذبها. ومن المشاهد البارزة أيضاً، رقصة النساء عقب مشهد المقصلة وهن يحملن رؤوس الموتى. ثمة سلبية يجب أن يتفاداها طارق حسن وفريق التدريب معه، وهي مدة الرقصة المبالغ فيها والوقفات التي تجبر المشاهد على التصفيق، لأن ذلك يبعث على الملل ويخرج بالعرض من المعاصرة إلى الباليه الكلاسيكي، كما يبعد المشاهد عن السياق الدرامي.