تظاهر الآلاف في مدن سورية عدة في «جمعة الإصرار» للمطالبة بالحرية والوحدة الوطنية، وذلك غداة الإعلان عن تشكيل حكومة جديدة في سورية كُلفت تنفيذ برنامج الإصلاحات المعلَن لتهدئة موجة التظاهرات غير المسبوقة في البلاد، إضافة الى قرار رئاسي بالإفراج عن جميع الموقوفين على خلفية الأحداث. وأفادت «الوكالة السورية للأنباء» (سانا) أنه بعد ظهر امس، خرجت «مجموعات متفرقة من المواطنين إلى الشوارع في مناطق عدة من المحافظات عقب صلاة الجمعة (امس)، ورددت هتافات تنادي لسورية والحرية والشهيد، من دون تدخل من القوى الأمنية، ولم تحدث أعمال شغب أو تخريب». ونقلت عن مراسليها في المحافظات إن «معظم التجمعات انفضَّ بعد وقت قصير وساد الهدوء والحياة الطبيعية في الأحياء السكنية ولم تسجل اعتداءات على الممتلكات العامة أو الخاصة». وعن تظاهرات درعا، أفادت الوكالة أن «آلاف الأشخاص تجمعوا في ساحة القصر العدلي عقب صلاة الجمعة، ورددوا شعارات «حرية حرية» و «سلمية سلمية»، في ظل عدم وجود لقوى الأمن والجيش. وخاطب عدد من الوجهاء والمشايخ المتجمِّعين ودعوهم الى حماية المنشآت العامة والخاصة، لأنها ملك للشعب، مؤكدين أن الاعتداء عليها غير مقبول أخلاقياً وشرعياً. وطالبوهم بعدم إطلاق شعارات من شأنها أن تؤثر على الوحدة الوطنية، والحرص على أن تأخذ التظاهرة طابعاً حضارياً يعكس قيم وأخلاق المجتمع السوري». وأشارت «سانا» الى أن مدن الدرباسية والقامشلي ودير الزور وحمص وبانياس وجبلة والحفة وحماه وبعض مناطق ريف دمشق، شهدت «تجمعات محدودة، انفضَّ معظمها من دون احتكاكات مع قوى الأمن، كما أن الحياة تسير على طبيعتها المعتادة». الى ذلك، اشارت صحيفة «البعث» امس، الى أن إمام مسجد مدينة المغارة في إدلب شمال البلاد عبد الرزاق الجبر، استُهدف بإطلاق النار عليه من جانب مسلح مجهول بعد أدائه صلاة الفجر أمس، لأن مواقفه لم تَرُقْ لهم ولم يستجب لمطالبهم في الحض على الفتنة والدعوة اليها، فامتدت يد الغدر إليه». وزادت: «تلقى في وقت سابق رسالة تهديد من مجهولين يطلبون منه تحريض المصلين على الفتنة في خطبة الجمعة، لكنه رفض مطلبهم وقام بإبلاغ الجهات الأمنية بذلك، وأكد أنه مهما حاول هؤلاء الحاقدون التخريب وزعزعة الأمن، فإنهم سيفشلون، لأنهم خفافيش ظلام ومفسدون في الأرض وسينالون العقاب العادل». وفي تفاصيل الاحتجاجات في المدن، أكد ناشط حقوقي لوكالة «فرانس برس»، ان «بين 2500 وثلاثة آلاف شخص تظاهروا في ساحة السرايا وسط مدينة درعا وهم يرددون شعارات مناهضة للنظام»، من بينها «الموت ولا المذلة». وقال إن «المزيد من المتظاهرين يتوافدون من القرى المجاورة للانضمام الى هذه التظاهرة»، مشيراً الى ان قوى الامن «لم تتدخل». وقال ناشط آخر لوكالة «رويترز» عبر الهاتف من درعا: «خرجت التظاهرات من كل مسجد في المدينة، بما في ذلك المسجد العمري... عدد الأشخاص يفوق عشرة آلاف محتجّ حتى الآن». وذكر أنه لا وجود للجيش في المدينة منذ ليل الخميس - الجمعة عقب اجتماع بين الأسد وشخصيات بارزة من المدينة، موضحاً: «الجيش ليس في المدينة... هناك العديد من أفراد الأمن هنا، لكنهم ليسوا في الشوارع... هناك تحسّن منذ الليلة الماضية، لكن الناس غير راضين» ويرددون «حرية حرية... سلمية سلمية». وفي شمال شرق سورية، حيث الغالبية الكردية، جرت تظاهرات للأسبوع الثاني في مدن عدة، وأكد الناشط الحقوقي حسن برو لوكالة «فرانس برس»، أن «أكثر من خمسة آلاف شخص خرجوا للتظاهر في القامشلي (680 شمال غرب دمشق) وساروا من جامع قاسمو باتجاه دوار التمثال جنوبالمدينة وهم يحملون أعلاماً سورية ولافتات» كتب عليها «لا كردية لا عربية، بدنا وحدة وطنية»، و«من القامشلي لحوران، الشعب السوري ما بينهان»، كما ردّدوا هتافات تنادي بالحرية والتضامن مع بانياس ودرعا. وأضاف برو أن «أكثر من ألفي شخص تظاهروا في كل من ناحية عامودا والدرباسية التابعتين للحسكة»، اضافة الى «تظاهرة قام بها نحو 300 شخص في رأس العين (80 كيلومتراً شمال الحسكة)، انطلقت من جامع الاسد باتجاه الدرباسية». وأوضح ان قوات الامن لم تتدخل لتفريق التظاهرات التي تفرقت من تلقاء نفسها. وفي دمشق، قال رئيس الرابطة السورية لحقوق الانسان عبد الكريم ريحاوي، إن «عشرات الاشخاص تجمعوا أمام جامع في برزة عند انتهاء الصلاة»، مشيراً الى «اشتباك بين الشرطة والمتظاهرين قام على أثره المتظاهرون بإلقاء الحجارة على الشرطة». وفرّقت قوات الامن السورية بالقوة تظاهرة شارك فيها محتجون قادمون من قرى دمشق لدى دخولهم من المدخل الشمالي الغربي للعاصمة. وأفاد ناشط حقوقي، أن «قوات الأمن فرّقت بالقوة نحو ألفي متظاهر قدموا من دوما وعربين وحرستا بينما كانوا يهمون بدخول العاصمة في حي جوبر» الواقع في الطرف الشمالي للعاصمة. وأضاف ان «القوات فرّقت المتظاهرين باستخدام الهراوات وإطلاق قنابل مسيلة للدموع». وفي حمص (مركز)، أفاد الناشط الحقوقي نجاتي طيارة للوكالة، أن «نحو اربعة آلاف شاركوا في التظاهرة بعد صلاة الجمعة وهم يهتفون حرية حرية»، مضيفاً أن «قوات الامن تدخلت بعد نحو ساعة من اندلاع التظاهرة وفرقت المتظاهرين بالهراوات». وفي مدينة بانياس الساحلية (280 كيلومتراً شمال غرب دمشق)، التي شهدت أياماً دامية أخيراً، ذكر ناشط حقوقي أن «نحو 1500 شخص تجمعوا أمام جامع أبو بكر بعد أن أقاموا صلاة الغائب على ارواح شهداء الاسبوع الماضي». وأضاف ان المشاركين كانوا يهتفون «حرية سلمية» و «بالروح بالدم نفديك يا شهيد». وفي اللاذقية، قال ناشط حقوقي، إن «نحو ألف شخص تجمعوا في ساحة أوغاريت في مركز المدينة للمطالَبة بإطلاق الحريات». وبث ناشطون على موقع الفيديو «يوتيوب» شريطاً قالوا إنه لتظاهرة في بلدة داريا (ريف دمشق) شارك فيها المئات وهم يهتفون بشعارات مناهضة للنظام. ويبدو في الشريط المشاركون وهم يحملون لافتات تدعو للتضامن مع بانياس الساحلية وللوحدة الوطنية ونبذ الطائفية. وبث الموقع اشرطة عدة لتظاهرات جرت في حلب وطرطوس ودير الزور وحماه وبعض البلديات في ريف دمشق. الإفراج عن المعتقلين وتأتي هذه الاحتجاجات غداةَ قرار أصدره الرئيس السوري يقضي «بالإفراج عن جميع الموقوفين على خلفية الاحداث الاخيرة ممن لم يرتكبوا أعمالاً إجرامية بحق الوطن والمواطن». في هذا الصدد، ذكر المرصد السوري لحقوق الانسان امس، إن «سلطات الامن السورية افرجت فجر اليوم الجمعة ومساء امس عن المئات من معتقلي التظاهرات الاخيرة من دمشق وريفها ومحافظات حمص وحماه والرقة وحلب وإدلب كان المرصد تحدث عن اعتقال العشرات منهم سابقاً». واشار الى «الافراج فجر اليوم الجمعة عن المدون الشاب احمد حديفة الذي اعتقلته في 23 آذار (مارس) من مكان عمله في دمشق بسبب نشاطه على فايسبوك لدعم الاحتجاجات في سورية»، و«الشاعر محمد محمود ديبو الذي اعتقلته في 19 آذار (مارس) من ناحية العنازة (التابعة لمدينة بانياس) بعد احتجاجات بانياس». ... واتهامات بالتعذيب في غضون ذلك، قال تقرير للمنظمة الحقوقية «هيومان رايتس ووتش» امس، إن قوات الامن السورية اعتقلت مئات الاشخاص بشكل تعسفي منذ اندلاع الاحتجاجات المطالبة بالديموقراطية قبل شهر، وانهم تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة. وأضاف ان القوات التي تضم عناصر من المخابرات، احتجزت وعذبت أيضاً ناشطين في مجال حقوق الانسان وكتّاباً وصحافيين يؤيدون الاحتجاجات المناهضة لحكم الاسد، مشيرة الى ان ما لا يقل عن سبعة صحافيين احتجزوا. واوضحت ان اتهاماتها تستند الى شهادات 19 شخصاً اوقفتهم المخابرات في دمشق ودرعا ودوما والتل وحمص وبانياس، بينهم امرأتان وثلاثة فتية. وقالت إنها شاهدت فيديو يصور سجناء أفرج عنهم في درعا «يحملون آثار تعذيب على أجسادهم». وأضافت أن «المعتقلين خلال التظاهرات، باستثناء اثنين، أكدوا للمنظمة أنهم ضُربوا اثناء توقيفهم وخلال فترة اعتقالهم، وأنهم شاهدوا عشرات المعتقلين يُضربون، او سمعوا صراخ اشخاص يُضربون». وقال المعتقلون إنه تم تعذيبهم «بأجهزة صدم كهربائي وكابلات وسياط»، كما احتجز المعتقلون في زنازين مكتظة، وتم حرمانهم من النوم والغذاء والماء. سورية تنفي تدخل إيران على خط مواز، نفى مسؤول في وزارة الخارجية السورية مساء الخميس لوكالة «فرانس برس» الاتهامات الاميركية للنظام السوري بتلقي مساعدة من ايران لقمع الاحتجاجات غير المسبوقة التي تشهدها مدن سورية عدة. وقال عما ادلى به ناطق في الخارجية الاميركية: «لا صحة اطلاقاً لما جاء في هذا التصريح، واذا كانت لدى الخارجية الاميركية ادلة، فلماذا لا تعلنها». كما نفى وزير المالية الايراني سيد شمس الدين حسيني هذه الاتهامات لدى مشاركته في الاجتماعات الربيعية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن. وردّاً على سؤال خلال مؤتمر صحافي عن الاتهامات بضلوع ايران في اعمال القمع في سوريا وفي تحريك تظاهرات المعارضة الشيعية في البحرين، أكد حسيني ان طهران «غير قلقة إطلاقاً»، وقال: «إننا لا نتدخل في اي من هذين البلدين»، مشبِّهاً الانتفاضات التي يشهدها العالم العربي بالثورة الاسلامية في ايران قبل ثلاثين عاماً. وكانت صحيفة «وول ستريت جورنال» أفادت أول من أمس نقلاً عن مسؤولين اميركيين، ان ايران بدأت بتسليم سورية معدات لمكافحة الشغب، وان شحنات ايرانية اخرى مماثلة في طريقها الى دمشق. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية مارك تونر، رداً على سؤال عما نشرته الصحيفة: «نعتقد ان هناك معلومات ذات صدقية عن تقديم ايران مساعدة لسورية في قمع التظاهرات»، و «هذا امر مقلق فعلاً». وأضاف: «اذا كانت سورية تطلب من ايران المساعدة، فلا يمكنها الحديث جدياً عن إصلاحات».