في مشغل وادع في تايبيه، تحوك ثلاث خياطات بدقة ثوب «تشيباو» الذي كانت ترتديه في ما مضى نساء كثيرات يومياً... ففي تايوان، تحاول حفنة من المصممين إعادة تقديم حرفة صنع هذه الملابس التقليدية. وسجل هذا الرداء الصيني التقليدي الضيق تفاوتاً كبيراً في الشعبية على وقع التقلبات السياسية والتاريخية. لين شين-تي البالغ من العمر 74 سنة هو واحد من الحرفيين التايوانيين القلائل الذين يواظبون على الحياكة اليدوية لهذه الأثواب ذات القبة العالية الصغيرة والمطرزة في كثير من الأحيان بأشكال زهور أو تنانين. مع نماذج طويلة بالحرير الأحمر وأخرى قصيرة مصنوعة من قماش يسهل ارتداؤه... يعج محترفه بأثواب «تشيباو» المطرزة بمراقبة دقيقة من قبل هذا المتمرس في هذا المجال ذي الخبرة الطويلة الممتدة على عقود. وبطبيعة الحال، تباع أثواب «تشيباو» المصنعة على القياس، بأسعار أغلى بكثير من تلك المقدمة ضمن مجموعات الملابس الجاهزة، ولا ترتديها التايوانيات عموماً إلا في المناسبات الكبيرة مثل حفلات الزفاف. لين الذي يخشى تبدد الاهتمام من الأجيال المقبلة بهذه الملابس التقليدية، يعمد إلى توظيف متدربات على حياكة أثواب «تشيباو» لتخليد هذا الفن. وتقول إحدى المتدربات وهي هونغ شو-تسو والتي ترتدي رداء «تشيباو» أزرق حاكته بيديها «المعلم صبور جداً. نبدأ بتلقي المعارف الأساسية وبعدها نواصل تعلمنا نقطة بنقطة». وكانت هونغ ممرضة لكن بعد إنجابها طفلها قررت الانطلاق في مجال حياكة الملابس. وهي تحلم بفتح متجرها الخاص وبيع أثواب «تشيباو» تتكيف مع متطلبات الحياة العصرية. لين يوافقها الرأي. هو لا يريد أن تضيع عقود خبرته الستة هباء. ويقول «أنقل إلى طلابي كل المعارف اللازمة كي يتمكنوا من التحليق بأجنحتهم». وظهرت هذه الأثواب خلال حكم سلالة تشينغ التي حكمت الصين بين القرن السابع عشر وعام 1911. وكانت حينها واسعة وطويلة. واستحالت هذه الأثواب من الملابس الرائجة في شنغهاي خلال العشرينات عند إعادة تصميمها لجعلها تبرز جسم المرأة. وأصبحت أثواب «تشيباو» التي ارتدتها الممثلات والمثقفات الصينيات في المدينة الملقبة «لؤلؤة الشرق»، رمزاً للمرأة العصرية الحريصة على إظهار أنوثتها. وبعد تولي القوى الشيوعية السلطة في الصين عام 1949 إثر الحرب الأهلية، دخل هذا الثوب الذي كان يصنف رمزاً للرأسمالية، في النسيان. لكن ليس في تايوان الى حيث لجأ قوميو تشانغ كاي-شيك بعد هزيمتهم أمام قوات ماو تسي تونغ. وكانت سونغ مي- لينغ زوجة الرجل القوي في تايبيه المتحدرة من المجتمع المخملي في شنغهاي، تعشق ثوب «تشيباو». وهي أثرت في ذوق التايوانيات في الملابس حتى السبعينات كما أن نساء كثيرات كن يرتدين هذه الأثواب يومياً. لكن هذا النوع من الملابس فقد قوة الجذب بسبب إنتاجه بكميات صناعية. ويشير بعض المصممين أيضاً إلى أن هذا الثوب مرتبط بالثقافة الخاصة ببر الصين الرئيسي لدى بعض النسوة اللواتي يبتعدن عنه بسبب معاداتهن للصين. ويعتبر لي وي-فان وهو مصمم في الخامسة والعشرين من العمر تتلمذ على يد أحد كبار مصممي أثواب «تشيباو» على مدى خمس سنوات، أن الظروف ملائمة لنهضة «تشيباو». وهو فتح متجراً قبل بضعة أشهر يضم بين زبوناته عرائس مستقبليات ونساء أعمال يقدرن أناقة هذه الملابس. ويشير إلى أن التصاميم الآسيوية التقليدية تثير حماسة متجددة يعتزم الإفادة منها جيداً. ويقول «أولئك الذين يتقنون فناً بات أكثر ندرة سيكونون الأكثر قدرة على المنافسة». ولا يرغب لين ولا لي في كشف الأسعار التي يفرضانها. وعادة ما يطلب حرفي 8 آلاف دولار تايواني (266 دولاراً) في مقابل ثوب مفصل على القياس، وهو سعر لا يشمل ثمن القماش. ويوافق أشهر مصممي «تشيباو» في تايوان شن شونغ-هسين البالغ 65 سنة باستمرار على فتح محترفه لمجموعات السياح والتلامذة. وهو صمم ملابس أفلام عدة بينها «ذي اساسن» للتايواني هو هسياو-هسين الحائز جائزة في مهرجان كان عام 2015. وهو ورث عن والده فنه ومشغله الذي يحوك فيه الملابس «بقلب فرح» على حد تعبيره. ويقول شن «آمل بأن يدرك عدد أكبر من الناس أن أثواب «تشيباو» المفصلة على القياس تختلف عن تلك المقدمة ضمن مجموعات الألبسة الجاهزة. تصاميمي تبرز جمال المرأة أكثر». وأطلقت إحدى زبوناته الوفيات، يوغي ما وهي مديرة تسويق في الثانية والأربعين من العمر، عبر «فايسبوك» مجموعة سمتها «نادي تشيباو» بهدف التشجيع على ارتداء هذه الأثواب يومياً من جديد. وهي تعتبر أن هذه الأثواب ترمز إلى «جمال الصينيات» وتتكيف مع كل أنواع الأجسام. وتقول «أثواب تشيباو غاية في الأناقة والجمال». ويضم ناديها أربعة آلاف عضو وينظم نشاطات مختلفة الشرط الوحيد للمشاركة فيها هو ارتداء «تشيباو».