تحطم طائرة ركاب أذربيجانية في كازاخستان: 14 ناجيًا من بين 67 شخصًا    عائلة عنايت تحتفل بزفاف نجلها عبدالله    "رحلات الخير" تستضيف مرضى الزهايمر وأسرهم في جمعية ألزهايمر    الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد اتفاقية تاريخية لمكافحة الجرائم الإلكترونية    الشكر للقيادة للموافقة على تعديل تنظيم هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية    الإحصاء: ارتفاع مساحة المحميات البرية والبحرية في المملكة لعام 2023    الإعلان عن أسماء الفائزين بالمراكز الأولى بجائزة الملك عبدالعزيز لسباقات الهجن فئة "جذع"    استشهاد 18 فلسطينيا في قصف إسرائيلي على منزلين شمال وجنوب قطاع غزة    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مدينة نابلس وقرية النبي صالح    الفرصة ماتزال مهيأة لهطول أمطار رعدية    "الرأي" توقّع شراكة مجتمعية مع جمعية يُسر بمكة لدعم العمل التنموي    ندوة "التدريب المسرحي في العالم العربي : التحديات والفرص" في مهرجان الرياض للمسرح    «الحياة الفطرية» تطلق 66 كائنًا مهددًا بالانقراض    انخفاض معدلات الجريمة بالمملكة.. والثقة في الأمن 99.77 %    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    تهديد بالقنابل لتأجيل الامتحانات في الهند    إطلاق ChatGPT في تطبيق واتساب    هل هز «سناب شات» عرش شعبية «X» ؟    أمير الرياض ونائبه يعزيان في وفاة الحماد    السعودية واليمن.. «الفوز ولا غيره»    إعلان استضافة السعودية «خليجي 27».. غداً    رينارد: سنتجاوز الأيام الصعبة    اتركوا النقد وادعموا المنتخب    أخضر رفع الأثقال يواصل تألقه في البطولة الآسيوية    القيادة تهنئ رئيس المجلس الرئاسي الليبي    غارسيا: العصبية سبب خسارتنا    رغم ارتفاع الاحتياطي.. الجنيه المصري يتراجع لمستويات غير مسبوقة    إيداع مليار ريال في حسابات مستفيدي "سكني" لشهر ديسمبر    العمل الحر.. يعزِّز الاقتصاد الوطني ويحفّز نمو سوق العمل    نائب أمير تبوك يطلق حملة نثر البذور في مراعي المنطقة    رئيس بلدية خميس مشيط: نقوم بصيانة ومعالجة أي ملاحظات على «جسر النعمان» بشكل فوري    الأمير سعود بن نهار يلتقي مدير تعليم الطائف ويدشن المتطوع الصغير    وافق على الإستراتيجية التحولية لمعهد الإدارة.. مجلس الوزراء: تعديل تنظيم هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية    أمير الرياض يستقبل سفير فرنسا    تقنية الواقع الافتراضي تجذب زوار جناح الإمارة في معرض وزارة الداخلية    لغتنا الجميلة وتحديات المستقبل    أترك مسافة كافية بينك وبين البشر    مع الشاعر الأديب د. عبدالله باشراحيل في أعماله الكاملة    عبد العزيز بن سعود يكرّم الفائزين بجوائز مهرجان الملك عبد العزيز للصقور    تزامناً مع دخول فصل الشتاء.. «عكاظ» ترصد صناعة الخيام    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع اللجنة التنفيذية للجنة الحج المركزية    زوجان من البوسنة يُبشَّران بزيارة الحرمين    القهوة والشاي يقللان خطر الإصابة بسرطان الرأس والعنق    القراءة للجنين    5 علامات تشير إلى «ارتباط قلق» لدى طفلك    طريقة عمل سنو مان كوكيز    الموافقة على نشر البيانات في الصحة    نقاط على طرق السماء    أخطاء ألمانيا في مواجهة الإرهاب اليميني    الدوري قاهرهم    «عزوة» الحي !    جامعة ريادة الأعمال.. وسوق العمل!    استعراض خطط رفع الجاهزية والخطط التشغيلية لحج 1446    عبد المطلب    "الداخلية" تواصل تعزيز الأمن والثقة بالخدمات الأمنية وخفض معدلات الجريمة    سيكلوجية السماح    الأمير سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف.    «الحياة الفطرية» تطلق 66 كائناً فطرياً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قليل من الثقل وكثير من الخفة في كتب «الثورة» المصرية
نشر في الحياة يوم 15 - 04 - 2011

الانفعال والكتابة لا يمكن أن يكونا على تناقض، لكن التنازلات التي يفرضها الافتتان باللحظة على حساب القيمة الفنية، غالباً ما يؤجل أحلام المبدعين. ثورة يناير المصرية إبداعياً لعبت هذين الدورين المتناقضين. رهنت موهبة الكُتَّاب والأدباء والمثقفين المصريين وحتى الصحافيين بين خيارين: إما التورط والمغامرة أو التريث في تسجيلها. لكن واقع النشر في مصر الآن ينبئ أن الجميع تغريهم فتنة التأريخ الأدبي لمادة «ملتهبة» «هاربة» غير قابلة للتكرار أو الإعادة بكامل عنفوانها.
حتماً لا تجد شرارة الخبرة الأولى والحدث الأبرز والذكرى الملحة أية عوائق في طريقها إلى إشعال فتيل الكتابة الإبداعية. أما ذلك الحدث الذي ولد ومكث في «ميدان التحرير» في وسط القاهرة 18 يوماً، استأثر وحده بكل عنفوان التجارب الأولى. كانت ثورة 25 يناير هي الأغرب والأوقع والأكثر إغراء بالتأمل. «بدت كثيراً أنها ليست ثورة، تشبه كل شيء، ورغم ذلك لا تكف عن أن تكون ثورة»، كما يقدمها أحد هؤلاء الكتاب. وهو نفسه الذي رآها «لحظة قلقة وتاريخية، دراما كونية، إرادة كسرت حاجز الخوف». بعضهم صارح برغبته في اقتناص «سبوبة الثورة»، لكنه مازال يفكر، بينما بدت المجازفة الأكبر وغير المعقولة في نظر هؤلاء أن يكتبوا شيئاً بعد اليوم لا علاقة له بالثورة. ليس عجيباً إذن أن نقرأ تلك الفقرة في أحد الكتب المواكبة للحدث: «إن هذه الثورة حولت أجزاء كبيرة من أدبنا إلى أدب غير قابل للقراءة، إيه رأيك في الثورة اللي بتوصل لأهالينا أسرع من وصول كتبنا إليهم؟».
إسلام جاويش اقتنص الفرصة، اختار الثورة بوابة دخوله إلى عالم الكتابة والأدب والنشر. «الراجل اللي واقف ورا الكتاب»، أول كتب جاويش بعد محاولات للكتابة الساخرة عبر «الإنترنت» من خلال مدونة «اصحي يا مصر». الكتاب كان أكثر التعبيرات ملاءمة مع روح الثورة الشبابية الساخرة، وهو ما يمكن أن يطمئن جاويش ويحفظ لكتابه الذي سيصدر خلال أيام الرواج اللائق نسبياً. في المقابل تعدى البعض الآخر مرحلة التفكير وحسم إجابته عن السؤال الذي يبدو معيقاً للانفعال الأدبي بالثورة وهو كيف يمكن مقاومة التدشين أدبياً لحدث كهذا مازال في طور التشكل والتكوين؟ وكانت النتيجة ما لا يقل عن عشرة كتب حتى الآن في ما يمكن أن نطلق عليه «أدبيات الثورة»، صدر بعضها بالفعل في أقل من شهرين على اندلاع «ثورة التحرير».
نتيجة لشعوره بالمسؤولية تجاه الكتابة عموماً وتجاه الثورة، يتحسب أحمد زغلول الشيطي مما أسماه «رطانة كتب الثورة». في كتابه «مئة خطوة من الثورة» الذي يعد أول كتاب صدر عن الثورة المصرية في طبعتين عن داري «ميريت» في القاهرة و»الآداب» في بيروت، خرج الشيطي نسبياً من المأزق أولاً بأن ألحق بالعنوان عبارة «يوميات من ميدان التحرير»، وثانياً بأن شاركنا في مخاوفه «أي كلام هو بالضرورة أقل مما يحدث. يمنعني الانفعال من اتخاذ المسافة الضرورية للتعبير عما أرى». حاول صاحب «ورود سامة لصقر» في يومياته، كما يشرح، الوفاء بغرضين: الأول أن يعقد علاقة بأعمق ما في داخله مع هذه الثورة، والثاني الحفاظ على حد مُرض يحترمه من المعايير الفنية والجمالية في كتابة اليوميات. التأريخ الرومانسي للثورة هو الوصف الأكثر انطباقاً على تجربة الشيطي، وهو الوصف الأقرب لتلقي تجربة شاب آخر هو مراد ماهر في كتابه «ثورة الغضب.. صُنع في مصر» الصادر عن دار «أكتب» في القاهرة. ماهر سجل تأملاته في الثورة خارج حدود أي تصنيف، وكتب في الختام: «لست قاصاً ولا شاعراً، فقط أجسد تأملاتي في ثوب يصطلح عليه ويتقبله الآخرون». لجأ إلى الرمزية في وصف حال مصر قبل الثورة وبعدها، ثم قارب ما حدث بطريقة أشبه ب «تأملات سجين مجنون» وهو أحد عناوين فصول الكتاب. يتقمص أصوات أبطال الحدث: شيخ هرم، أب متردد، أم مكلومة، فتاة عشرينية متململة، شاب عشريني ثائر، وحتى طفل يريد الانطلاق.
وإذا كانت الكتابة عن «ميدان التحرير» معضلة كبيرة، بحسب الشيطي، لأنه «من الصعب أن يقدم ضمير واحد مقاربة كلية للمشهد المليوني الرهيب»، إلا أن «الكل يجب أن يحكي حكايته». بالمنطق نفسه تبارى كتاب مصريون في التعبير عن إحساسهم بالثورة ومشاركتهم فيها. الاندفاع أجبر قسطاً كبيراً منهم على الوقوع في فخ الترهل. الأكثر من هذا أن بعض الكتب لا تعدو إلا أن تكون «نشرة أخبار عن الثورة». جسد ذلك كتاب «ثورة دوت كوم» لمحمد سامي صاحب دار «ليلى». الأحداث في تسلسلها الطبيعي يطعمها بمقتطفات من النشرات الإخبارية. ومن ثم يمكن بسهولة الاستعانة بكتاب سامي كأرشيف لاستكمال بحث أكاديمي عن تلك الفترة. هكذا أيضاً يستعين محمد فتحي في كتابه «كان فيه مرة ثورة» بالتقارير الإخبارية. أسلوب الكتابة بالعامية الذي لم يختلف كثيراً عن كتبه السابقة، ومنها «مصر من البلكونة»، قيَّد فتحي، خصوصاً أنه اختار توجيه الخطاب في الكتاب إلى طفليه، يحكي لهما «الحكاية من الأول خالص». فتحي كان حريصاً على السبق والأسبقية، حفلات توقيع ومناقشات للكتاب وطبعة ثانية في غضون شهر، حتى وإن كلفه الاستعجال إغفال صوته الخاص والتضحية بالثقل الفني والتبسيط إلى حد الإخلال.
في لغة هذه الكتب التي يسميها أصحابها «لغة ميدانية»، يقترح علينا هؤلاء الكتاب ألا نقف كثيراً أمام حسابات الجمالية، لأن الثورة بالنسبة لهم «تجربة وجودية وكتابية مهمة»، يجربون فيها للمرة الأولى «الكتابة أثناء الحدث». الكتابة في ذاتها وسيلة للتفاعل مع الحدث، «نوع من الكتابة الحية» كما يقول الروائي إبراهيم عبد المجيد، الذي يشارف على الانتهاء من كتاب عن الثورة لم يختر له عنواناً بعد. صاحب «في كل أسبوع يوم جمعة»، يوضح أنه يكتب عن الثورة بإحساسه وأفكاره، في محاولة لاكتشاف معنى الحدث وتعدد مستوياته. لذلك فالكتابة الآن عن ثورة يناير المصرية «صح طبعاً»، بحسب تعبيره، «لأنها لا تنطوي على شروط، كل سيتاح له تسجيل الثورة بحسب رؤيته». هنا تفسير عبد المجيد يقدر استغلال الثورة في تحرير الكتابة من قيودها الفنية، ويحفظ لها هذا الجميل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.