يشكل معدل البطالة والطاقة والتجارة، وتنامي التطرف وميزان القوى بين اليمين واليسار، وتشكيل غالبية وخيار رئيس المفوضية، رهانات رئيسية للانتخابات الأوروبية التي بدأت أمس. ويتوقع تسجيل مستوى قياسي هذه السنة، فمنذ الانتخابات الأولى للبرلمان الأوروبي وفق النظام العام المباشر في 1979، ما زالت نسبة الامتناع عن التصويت في ارتفاع. فقد زادت من 37 الى 57 في المئة اثناء الاقتراع الأخير في 2009 مع مستويات قياسية تجاوزت 70 في المئة في بلدان عدة في اوروبا الشرقية. كما ان ضعف المشاركة يؤثر سلباً في الصفة التمثيلية للنواب وشرعيتهم. ويمكن أيضاً ان تشجع التيارات المتطرفة التي يلاحظ ان ناخبيها أكثر تعبئة من ناخبي الأحزاب الحكومية اثناء الانتخابات الأوروبية التي تعتبر في المرتبة الثانية. صلاحيات اجتماعية تعتبر مكافحة البطالة أولوية مطلقة للمسؤولين الأوروبيين ولو انهم لا يملكون وسائل فاعلة لمكافحة هذه الآفة التي تطاول 26 مليون شخص. فالمؤسسات الأوروبية لا تتمتع بصلاحيات كثيرة في المجال الاجتماعي خلافاً للسلطات الوطنية. وأقرت في الماضي آليات تسمح بتوفير دورات تدريب وتعليم للشبان ما دون الخامسة والعشرين من العمر مثل «ضمانة الشباب». كما أطلقت برامج لتوزيع أموال على المناطق التي تعاني من البطالة خصوصاً. ويدافع بعضهم عن سياسة «التشدد المالي» وبرامج التقشف المعتمدة منذ اندلاع الأزمة، لكن جميع المرشحين يشددون على ضرورة تسريع التدابير الداعمة للنمو الاقتصادي. وفي بروكسيل، يعول المسؤولون على الاتفاقات التجارية واستكمال السوق الداخلية الأوروبية وتطوير القطاع الرقمي لاستحداث وظائف. كما ان فكرة إقرار حد أدنى للأجور في كل من بلدان الاتحاد التي يدعو اليها اليسار، حققت تقدماً لا سيما منذ ان أيدتها المانيا بعد قيام التحالف الواسع فيها بين المحافظين والاشتراكيين الديموقراطيين. الاتفاق التجاري مع أميركا يجسد اتفاق الشراكة والاستثمار عبر المحيط الهادئ الذي اطلقته المفوضية برئاسة باروزو، مخاوف الرأي العام في مواجهة العولمة. وهو يخشى خصوصاً انعدام الشفافية وان تفرض عليه منتجات معدلة وراثياً او لحوم دجاج تحتوي على هورمونات. وتتركز المخاوف على امكان حصول تدخلات للشركات الأجنبية في السياسات العامة من خلال آلية التحكيم المعتمدة في الولاياتالمتحدة. وتبقى الخلافات كثيرة بين الأوروبيين والأميركيين، ما يبطئ المفاوضات التي تعثرت أساساً مع اندلاع فضيحة التجسس الأميركي في نهاية 2013. ونتيجة لذلك فان الفرص ضئيلة في التوصل بحلول نهاية 2015 الى هذا الاتفاق الذي سيكون أكبر اتفاق تبادل حر في العالم. وسيتوقف تقدم المفاوضات الى حد بعيد على المفوض الأوروبي المقبل المكلف حقيبة التجارة، وعلى قدرته على ترميم الثقة مع العواصم الأوروبية. ولا يخفي المفوض الحالي كاريل دي غوشت رغبته في البقاء في منصبه. ومع استخدام روسيا الطاقة كسلاح سياسي، وجد الأوروبيون أنفسهم ملزمين بتنويع امداداتهم وضمان أمنها. وكل الخيارات في هذا الصدد مطروحة ومنها النووي والغاز الأحفوري. والهدف هو الحد من التبعية وخفض فاتورة سنوية قدرها 400 بليون يورو لقاء امدادات النفط والغاز والفحم الأوروبية. وبالتالي فإن الجماعة الأوروبية للطاقة تفرض نفسها كالمشروع الرئيس للسنوات العشر المقبلة. وسيترتب في هذا الصدد الالتزام بأهداف مكافحة ارتفاع حرارة الأرض، وفرض التخلي عن السيادة الوطنية حيث ان تشكيلة مصادر الطاقة تبقى من صلاحيات الحكومات، وتخطي العقبات التي ستطرحها المجموعات الكبرى التي سترى مصالحها مهددة. من ناحية أخرى، تنتشر بؤر توتر كثيرة في الشرق كما في الجنوب، ولا سيما في جوار الاتحاد الأوروبي المباشر، ومنها زعزعة الاستقرار في الشرق نتيجة الأزمة الاوكرانية، والوضع المضطرب والغموض الذي يلف المستقبل في الشرق الأوسط وشمال افريقيا بعد ثلاث سنوات ونصف سنة على انطلاق ثورات «الربيع العربي». وسيترتب على الاتحاد الاوروبي اعادة صوغ علاقاته مع هذه الدول الشريكة، وبعضها على غرار أوكرانيا يرغب في التقرب من الاتحاد من دون امكان الانضمام اليه. والى الجنوب، يعتزم الاتحاد الاوروبي تعزيز تعاونه مع الدول التي تعتبر مصدراً لحركة الهجرة او معبراً لها، لا سيما الدول الافريقية وتركيا، سعياً الى وقف حركة الهجرة غير الشرعية عند منابعها واقامة قنوات للهجرة الشرعية.