لم يمضِ وقت طويل على «الجداويين» للتخلص من آثار «كارثة السيول» التي ضربت مدينتهم قبل خمسة أعوام، حتى دهمهم «كورونا» الذي أرعب العالم بسلوكه القاتل، خصوصاً أن «اللقاح» المضاد لهذا الفايروس لم يبتكر حتى الآن. وعلى رغم ارتباط «جدة» بأطهر البقاع، بوصفها البوابة الرئيسة ل «البيت الحرام» ومكة المكرمة، إلا أن أصواتاً متشددة تحاول في كل مرة ربط أزمات المدينة بذنوب خاصة بأهلها. إلا أن هذا الخطاب شهد تراجعاً هذه المرة مقارنة بحوادث مضت. يلاحظ على مجالس «الجداويين» كثرة الحديث عن أسباب تعرض مدينتهم لهذه الكوارث التي راح ضحيتها المئات، على رغم إخضاعها لورش عمل كبيرة ببلايين الريالات، ليبقى السؤال عالقاً، أين صرفت هذه البلايين؟ ولماذا لم تكن نتائجها بحجم ما صرف عليها من أموال؟ «كورونا» لا يزال يحصد الأرواح، ووزارة الصحة مستمرة في استدعاء الخبراء المحليين والدوليين لمكافحة هذا المرض من دون نتائج مُرْضية حتى هذه اللحظة، فيما يعاني الكثير من طلاب المدارس والموظفين من «فوبيا» العدوى القاتلة. «عين النحلة» و«عين الذبابة» حاضرتان في هذا المشهد، ففريق يرى أن هذه «النازلة» الطبية دفعت غالبية المواطنين للتخلص من العادات السيئة المتعلقة بالأكل والشرب لدى المطاعم غير الموثوق بكوادرها، إضافة إلى الحذر من استخدام أشياء الغير، وانتهاء باستعمال الأدوات الطبية الواقية من العدوى مثل «الكمامات»، و«المعقمات». ويتساءل آخرون عن عجز مراكز الأبحاث المحلية عن التعامل مع مثل هذه «الوبائيات»، على رغم موازناتها السنوية الضخمة التي تتطلب نتائج مُرْضية وسريعة لمكافحة هذه «الفايروسات». المتابع لأحوال مستشفيات وزارة الصحة يجد أن أول من فقد الثقة بإجراءات منع انتشار العدوى هم الأطباء والممرضون أنفسهم، حتى انسحب هذا الأمر على المرضى والمراجعين، إذ شهدت أقسام الطوارئ في هذه المستشفيات انخفاضاً كبيراً من جانب المراجعين بسبب الخوف من عدوى «كورونا». «كورونا» الذي قتل 139 شخصاً حتى الآن (يوم كتب التقرير)، أطاح بقيادات صحية كبيرة، لاعتبارات عدة، تضاربت حولها الأنباء، ابتداء من إعفاء وزير الصحة السابق الدكتور عبدالله الربيعة، واستدعاء وزير العمل المهندس عادل فقيه للقيام بمهمات وزير الصحة المكلف للتعامل مع هذه الأزمة بأمر ملكي عاجل. هذا المرض الغامض، استقبله البعض ب «النكتة»، وآخرون طوعوه لنسج «الإشاعات»، فيما يحاول البعض من محال «العطارة» المتاجرة ب «الدواء» من خلال الخلطات العشبية المجهولة، مستغلين حاجة الناس وخوفهم من «الفايروس». ولم يكن الجانب الديني قصياً هو الآخر، فعادت محاولة الربط بين «الوباء» وغضب الرب، والدعوة إلى مراجعة النفس. ويتفق خبراء الطب على أن فايروس «كورونا» الشرق الأوسط ينتمي إلى إحدى العائلات الفايروسية الكبيرة، والمعروفة بتأثيرها في الإنسان والحيوان، وتسمى باسم «كورونا فيريدي»، إذ تم اكتشاف أول فايروس من هذه العائلة في عام 1960، وكان علماء الفايروسات حتى بدايات الألفية الثانية مدركين لوجود فايروسين فقط من هذه العائلة يصيبان الإنسان. في عام 2003 ظهر فايروس «سارس» في الصين، وسجل الوباء 8.422 حالة إصابة، منها 916 وفاة حول العالم بنسبة وفيات تقترب من 10 في المئة للمصابين، وفي عام 2004 تم اكتشاف سلالة جديدة سميت باسم «NL63»، وفي عام 2005 سجلت مجموعة بحثية في جامعة صينية اكتشاف سلالة خامسة سميت باسم «HKU1». وتوفي في حزيران (يونيو) 2012 أول مريض في السعودية بسبب الإصابة بفايروس «كورونا» مختلف عن الأنواع المعروفة سابقاً، وفي أيلول (سبتمبر) 2012 قامت منظمة الصحة العالمية (WHO) بإصدار تحذير عالمي عن ظهور نوع جديد من فايروسات «كورونا» في كل من السعودية وقطر، بعد تسجيل عدد من الإصابات بهذا المرض. وأكدت وزارة الصحة في بيانات صحافية عدة أن النتائج الأولية في مختبرات عالمية عدة دلّت على أن فايروس «كورونا» الجديد يشبه إلى حد ما فايروس «سارس»، مع وجود عدد من الاختلافات، من أبرزها انخفاض نسبة انتشاره بين الناس، وارتفاع نسبة الوفيات التي ربما تصل إلى نحو 50 في المئة، خصوصاً عند كبار السن والمصابين بأمراض مزمنة. وفي المنطقة الشرقية ألمحت وزارة الشؤون الإسلامية إلى موافقتها على إمكان تخصيص الأئمة والخطباء في المساجد خُطب الجمعة للتوعية والتثقيف بفايروس «كورونا»، إذ لم تُصدر حتى الآن تعميماً أو تستحدث ضوابط تفيد بالمنع وعدم استغلال خطب الجمعة في الحديث عن الشأن ذاته. وأكّدت الوزارة أنه لم يتم إبلاغ مسؤولي أفرعها في مختلف المناطق بعدم التطرق إلى الفايروس، الذي يعد أمراً يهم الفرد والمجتمع في ظل الأوضاع الراهنة وانتشار فايروس كورونا في بعض من مناطق المملكة، وبدأ في الزحف إلى المنطقة الشرقية. وأوضحت الوزارة أنه «في ظلّ عدم وجود التعميم، لا يمكن مراقبة الأئمة والخطباء، إضافة إلى عدم إمكان الإفصاح عن الأوضاع المترتبة في حال ورود أية حالات تجاوز من الخطباء في هذا الشأن، وذلك يشمل رصد حالات في مساجد المنطقة الشرقية طوال الفترة السابقة». وأكّد مدير فرع الشؤون الإسلامية في المنطقة الشرقية الشيخ عبدالله اللحيدان في تصريح إلى «الحياة»، أنه لم ترد إليهم من المركز الرئيس في الرياض «أي تعاميم أو ضوابط يتم تطبيقها على الأئمة وخطباء المساجد في شأن التوعية والتثقيف من فايروس كورونا في خطب الجمعة. وقال: «لم يصلنا شيء مما ذكرتم». لكن اللحيدان لم يشأ الخوض في ما إذا كان يعتقد أن إشاعات الوباء يمكن أن تؤدي إلى تراجع القاصدين لصلاة الجماعة والجمعة، إلا أن ذلك يمكن أن يظل وارداً بحسب المراقبين، إذا ما تجاوز الفايروس مرحلته الحالية إلى أخرى «حرجة».