إذا كان التونسي محمد البوعزيزي هو مشعل الثورات العربية في الألفية الثانية بعد الميلاد، فلابد أن نعترف بأن العقيد معمر القذافي «محبطها»، أما زميله بشار الأسد فهو قاتلها (حتى الآن على الأقل)، وإذا كان الرئيس التونسي السابق «زين العابدين بن علي» وزميله المصري «حسني مبارك» سنّا سنة حسنة للحكام العرب بهروبهما من صرخات الثوار في بلديهما، فإن القذافي والأسد سنا سنّة سيئة لمن بعدهما ونقشاها في ذاكرة الشعوب بالرصاص تحت نظر العالم أجمع. الشعوب العربية شعوب مغلوبة على أمرها عانت الويلات تحت أحكام الطغاة منذ عقود طويلة لكنها تنهدت منذ كانون الثاني (يناير) الماضي وهي تتابع الأحداث بانتظار النتائج التي بناءً عليها قد تستطيع نزع ثياب الخوف عنها، وهو الأمر الذي حسمه «القذافي» وشارك في الإجهاز عليه «الأسد» عندما وجها رسالة جديدة للشعوب العربية مناقضة تماماً لتلك الرسالة التي وجهها الشعبان التونسي والمصري، فحواها: «الحرية ثمنها الدماء والجماجم»، وهذا ما يخشاه المواطن العربي البسيط الذي تم تدجينه منذ مئات السنين، ولكم أن تتخيلوا نتيجة الثورة المصرية مثلاً لو أن نظام مبارك قصف «ميدان التحرير» بالصواريخ أثناء المظاهرات. لست متشائماً من مستقبل العالم العربي لكنني أعتقد أن الثورات انتهت، وأنها لن تكون الطريقة الأمثل للتغيير في المستقبل القريب، فقد أثبت المجتمع الدولي أنه مجرد «فزاعة» لا يمكنها إسقاط أي حكومة هنا أو هناك إلا برغبة تلك الحكومة تحت الضغوط، أو بالاحتلال المباشر، كما حدث في العراق، وهذا يكلف فاتورة باهظة الثمن لا توجد دولة في العالم على استعداد لتحملها حالياً. أيضاً يجدر بنا أن نعترف أن النتائج التي حصدتها الثورتان التونسية والمصرية لم تنضج بعد ولم تؤتِ الثمار التي حلم بها الشعبان، فضلاً عن أن هاتين الثورتين تعرضتا لمحاولات سرقة متتالية من أحزاب راديكالية أو دينية ذات أجندة سياسة خطرة بشكل يتصادم مع أحلام أولئك الشبان الذين خرجوا إلى الشوارع من دون أن يطفئوا أجهزة الكومبيوتر التي جمعت أمانيهم. لا أحد في العالم العربي اليوم يريد العودة إلى الوراء، لكن ذلك قد يحدث بالحيلة وامتطاء أحلام وسذاجة الثوار الصغار، وليس بمستبعد أن ينادي غداً رجل مثل القرضاوي أو السيستاني بمبايعته خليفة للمسلمين في الدول التي كسب فيها شبان «تويتر وفيسبوك» الجولة، وهذا يعني فصل العالم العربي عن التاريخ وعودته مئات السنين إلى الوراء، وهو في الوقت نفسه تكريس للدكتاتورية الأبشع التي تستمد قوتها من سذاجة الشعوب باسم السماء. الناس في مصر اليوم يتحدثون عن خوض جماعة الإخوان المسلمين، التي كانت محظورة حتى وقت قريب، الانتخابات الرئاسية المقبلة، وفي تونس يصفقون للإجراءات الجديدة ذات الطابع الديني، كالسماح للنساء بالتصور بالحجاب لإصدار بطاقات الهوية، وغيرها من الرموز التي تحمل دلالات خطرة تشير في فحواها إلى أن الثورات التي نادت بالحرية باتت تُسرق عياناً بياناً من الحركات الدينية، وأن النتيجة النهائية لها إن استمرت قد تكون «طلبنة» العالم العربي، أو «حوزنته» بشكل يجعل المجتمع الدولي يعيد ترتيب حساباته حتماً تجاه تلك الثورات وشعاراتها ونتائجها، ليبقى نموذج القذافي أو الأسد الخيار الأفضل للمصالح السياسية الغربية، وإن كان «الخيار الأكثر إجراماً» بالنسبة للشعوب. [email protected]