«مركز الرقص المعاصر» في القاهرة هو المؤسسة الأولى من نوعها في مصر والمنطقة العربية التي تتيح دراسة احترافية، كما تقول مؤسسته كريمة منصور. أُسس المركز عام 2012 كجهة تابعة ل «صندوق التنمية الثقافية»، التابع بدوره لوزارة الثقافة المصرية، غير أن المشروع واجه عقبات إدارية، ما دفع مؤسسته إلى الاستقلال عن ذلك الإطار الرسمي. واحتفل المركز أخيراً بتخريج أول دفعة من الدارسين والدارسات بعد دراسة مكثفة استمرت ثلاث سنوات. ويتم العمل حالياً على تأهيل الدفعة الثانية وفقاً لبرنامج شامل. فخلافاً للرقص المعاصر، يدرس طلبة المركز تاريخ الرقص ومواد أخرى، ليقدم شهادة معتمدة من اليونسكو. وينظم المركز أيضاً إقامات للفنانين المستقلين في مصر، كما يتيح للمحترفين والهواة استغلال مساحته للتدرّب. لافتة صغيرة تدعوك إلى الابتسام قبيل الدخول إلى المركز، حيث عليك أن تتخفف من أثقالك لتحلق مع الراقصين. يمتلئ المكان بالحيوية، وحتى في أوقات الراحة المستقطعة بين التمارين لا يكف المتدربون عن الحركة. شباب وشابات يسعون إلى ترويض الفراغ ليتناغم مع أجسادهم. غير أن هذه الخفة التي يبدو عليها الراقصون والراقصات تخفي وراءها جهداً شاقاً وتحدياً خاضته مصممة الرقصات كريمة منصور حين شرعت في تأسيس مشروعها حتى تحول مع الوقت إلى مساحة حرة تضاف إلى غيرها من المساحات المستقلة الساعية إلى ترك بصمتها الإبداعية الخاصة في القاهرة على رغم الصعاب التي تواجهها. وعن الفرق بين الرقص المعاصر والرقص الكلاسيكي، تقول منصور: «هناك فروق تاريخية، فحين نشأ فن الباليه على سبيل المثال في إيطاليا وفرنسا كانت عروضه مقتصرة على الطبقة الأرستقراطية داخل القصور الملكية، لا يشاهده سوى النخبة من النبلاء، وحين خرج في ما بعد إلى المسارح العامة ظل معتمداً على البناء الدرامي الكلاسيكي بمكوناته التقليدية من بداية ووسط ونهاية، كما اعتمد على الديكورات والملابس المبهرة». وتضيف: «على مستوى الجماليات، احتفظ الرقص الكلاسيكي بأبجديات لا يمكن الخروج عنها، لكن يعاد ترتيبها. أما الرقص المعاصر، فخلافاً للاختلاف التاريخي كسر القواعد إلى حد ما، لكن هذا لا يعني أنه لا يتضمن قواعده هو الآخر، لكنه في المجمل كان هدفه الخروج إلى عامة الشعب». وتتابع: «بعيداً مِن فكرة تحدي الجاذبية التي يتسم بها الباليه، عمل الرقص المعاصر على تحدي تلك الجاذبية والعمل من خلالها في الوقت ذاته. وفي حين اعتمد الرقص الكلاسيكي على الخطوط الأفقية والرأسية فقط، تجاوز الرقص المعاصر باعتماده على الخطوط الحرة والحلزونية إلى جانب الخطوط الأفقية والرأسية، وأصبح كل فرد في العرض له أهمية بدلاً من التركيز على بطل أو بطلة وحيدين. كما أصبحت مساحة العرض على الدرجة ذاتها مِن الأهمية، بدلاً من التركيز على بؤرة المسرح فقط، ما جعل الجمهور جزءاً من هذا العرض بعد أن أتيحت له الحرية في اختيار المساحة الملائمة ومتابعة الحركة التي يريدها على المسرح. هناك اختلافات أخرى بالطبع ولكن هذه أهمها». التحديات التي تواجه مجتمع الرقص المعاصر في مصر كثيرة، مثل الدعم وندرة المساحات والدراسة الأكاديمية. ويسعى «مركز الرقص المعاصر» قدر الإمكان- كما تقول منصور- إلى سد الثغرة المتعلقة بالدراسة الأكاديمية، وهي خطوة من شأنها أن تضخ دماءً جديدة في هذا المجال. وعلى المدى الطويل، سيصبح هناك مدربون ومصممون ومخرجون تلقوا دراسة احترافية وافية في مجال الرقص المعاصر، ما سينعكس إيجاباً على مجال الرقص عموماً. وترى منصور أن مجال الرقص المعاصر يحتاج إلى دعم وعناية من الدولة وإزالة العراقيل المكبلة لمساهمة الفرق المستقلة في المهرجانات الدولية، فهي تؤمن بأن كل منجز فني ذي قيمة حقيقية خلال العشرين عاماً المنقضية خرج من أصحاب المبادرات المستقلة، ليس على مستوى الرقص المعاصر فحسب على مستويات السينما والمسرح والموسيقى أيضاً، وأن وضع العراقيل أمام هذه المبادرات والنشاطات هو إهدار للطاقة وخسارة كبيرة للمجال الإبداعي. وفي حين لا تخفي منصور تخوفها حيال استمرارية المكان لغياب المساندة والدعم من ناحية وكونه بالكاد يغطي تكاليفه، تطمح إلى أن يصبح الرقص المعاصر فناً معترفاً به ويتم تقديره كمهنة جادة، وأن تصبح مصر حاضنة لهذا الفن في المنطقة العربية، كما كانت حاضنة لفنون أخرى.