بنغازي، أجدابيا، بروكسيل - أ ف ب، رويترز - كثفت القوات الموالية للعقيد معمر القذافي هجماتها على بلدة أجدابيا الاستراتيجية في شرق ليبيا، ما أدى إلى مقتل أربعة من الثوار، فيما سعت حكومته إلى إظهار وجه إصلاحي أمس، بإعلانها أنها تعد دستوراً جديداً لدعم « النسخة الليبية» من الديموقراطية. وقصفت قوات القذافي المداخل الغربية لأجدابيا طوال صباح أمس وسقطت صواريخ في وسط البلدة. ووقع تبادل لنيران الأسلحة الصغيرة لفترة طويلة. وخلت الشوارع من المارة واحتمى مقاتلو المعارضة بالأزقة وأصبحت سيطرتهم في ما يبدو غير كاملة على البلدة، بعد هذا الهجوم الأكثر استمرارية على البلدة التي تمثل المدخل إلى بنغازي. وترددت أصداء تبادل مكثف لإطلاق النار في غرب البلدة وتصاعد دخان أسود إلى السماء. وكان مقاتلو المعارضة يحرسون الشوارع والأزقة في وسط البلدة أو يجوبونها على متن شاحنات. وقال بعض المقاتلين إن قناصة تابعين للقذافي يرتدون الزي المدني يطلقون النار عليهم. وتم نقل مقاتل مصاب كانت تسيل منه الدماء إلى سيارة إسعاف. وأكد عدد من المقاتلين أن قوات القذافي قتلت أربعة من زملائهم وتركتهم على جانب الطريق. وقال المقاتل محمد سعد عند نقطة تفتيش على الطرف الشرقي لأجدابيا: «رأيت الأربعة هذا الصباح. قطعت رقابهم وكان هناك رصاص في صدورهم وألقوا على الطريق. كما أن أثر الرصاص كان موجوداً على سيارتهم». وأشار معارض إلى أن ثمانية من مقاتلي القذافي وأربعة من المعارضة قتلوا في اشتباك السبت وأن قناصاً قتل أحد مقاتلي المعارضة بطلقة في رأسه، فيما ذكر آخر أن «هناك قوات للقذافي داخل أجدابيا في سيارات لاند كروزر ونحن نعلم أن قناصة القذافي في زي مدني موجودون في المدينة أيضاً». وكانت المعارضة تطلق صواريخها من شاحنات صغيرة في الصحراء على مشارف البلدة في محاولة محتملة لمنع أي مناورة من قوات القذافي لتطويق البلدة. واعتلى أحد مقاتلي المعارضة عموداً للهواتف وكان يراقب عبر النظارة المكبرة مداخل البلدة. وفي مستشفى أجدابيا، وقفت مجموعة من المقاتلين فوق جثة من قالوا إنه جزائري كان يقاتل في صفوف قوات القذافي. ويحاول المقاتلون وأغلبهم لم يتلق تدريباً إعادة تنظيم صفوفهم والتزود بمزيد من المعدات، لكنهم لم يتمكنوا من الاحتفاظ بمكاسبهم في الأسبوع الماضي في مواجهة قوات القذافي الأفضل تسليحاً في بلدة البريقة النفطية إلى الغرب من أجدابيا. وأجدابيا هي آخر بلدة رئيسية على الطريق الساحلي المطل على البحر المتوسط قبل بنغازي معقل المعارضة الواقعة إلى الشمال ومرفأ النفط الرئيسي طبرق إلى الشرق. وسيمثل فقد أجدابيا انتكاسة خطيرة لقيادة المعارضة التي رفضت اقتراحاً بالتوصل إلى تسوية عبر التفاوض مع القذافي وتعهدت إطاحته. وأكد معارضون أن ضربات جوية لحلف شمال الأطلسي استهدفت قوات القذافي خارج اجدابيا أمس، مشيرين إلى وجود 15 جثة على الأقل. وشوهدت جثث متفحمة قرب ست مركبات في مكانين منفصلين على بعد نحو 300 متر من بعضهما البعض على المشارف الغربية للبلدة التي تهاجمها قوات القذافي. وأعلن قائد عمليات حلف شمال الأطلسي الجنرال شارل بوشار أن طائرات الحلف دمرت 11 دبابة تابعة لقوات العقيد معمر القذافي على طريق أجدابيا (شرق) و14 دبابة قرب مصراتة (غرب). وأكد في بيان بث من مقره في نابولي جنوب إيطاليا أن «الوضع في أجدابيا، خصوصاً في مصراتة، سيء جداً بالنسبة إلى الليبيين الذين يتعرضون إلى قصف النظام، وللمساهمة في حماية المدنيين نواصل دك تلك القوات في شدة ودمرنا 11 دبابة كانت تقترب من أجدابيا و14 في ضواحي مصراتة». ولفت إلى أن الحلف يقصف أيضاً مستودعات الذخيرة وخطوط الاتصال لحرمان قوات القذافي من إمداداتها. وقال: «نقصف منشآت النظام اللوجستية وأسلحته الثقيلة لأننا نعلم انه يصعب حينها على القذافي مواصلة هجماته على المدنيين». وأضاف أن «آخر غارة خلفت حفرة على الطريق المؤيدة إلى اجدابيا غرب البريقة حيث كانت شاحنات كبيرة تنقل وقوداً وذخيرة، وإلى الغرب من هناك أصبنا مستودعين آخرين محصنين كانت تخرج منهما الذخيرة». من جهة أخرى، أعلن ثوار أنهم أسروا 15 من المرتزقة الجزائريين في أجدابيا وقتلوا ثلاثة آخرين في معارك ضارية السبت في المدينة، لكن الجزائر نفت صلتها رسمياً بهؤلاء. وقال الناطق باسم الثوار إن المرتزقة الذين أسروا لم تكن في حوزتهم أوراق ثبوتية، لكنهم «قالوا انهم جزائريون وكانت لهجتهم جزائرية». وأوضح أنه عثر على بطاقات هوية وجوازات سفر جزائرية في مبنى قريب في اجدابيا. واتهم الجزائر بدعم القذافي وبغض النظر عن مجيء المرتزقة إلى ليبيا، مؤكداً أن الأسرى يعاملون معاملة جيدة. وأضاف أنه «أمر محزن لأنهم في الجزائر لديهم نفس النظام الديكتاتوري الموجود في ليبيا». في غضون ذلك، عرض النظام الليبي وضع دستور جديد. لكن لم يتمكن المسؤولون من توضيح ما هو الدور الذي قد يضطلع به القذافي في النظام الجديد وما هو الموعد المحتمل لتطبيقه. وليبيا ليس لديها دستور وتحكم بموجب مجموعة من أفكار القذافي الواردة في «الكتاب الأخضر» الذي ألفه في السبعينات، وهو نظام سياسي غامض يندد به المعارضون المصممون على إطاحة القذافي بعد 41 سنة من الحكم. وانتهز مسؤولون فرصة تجمع صحافيين أجانب بعد منتصف ليل أول من أمس ليعلنوا التزامهم بدستور جديد وإصلاحات سياسية أوسع. وقال نائب وزير الخارجية خالد الكعيم إنه يتمنى إقرار الدستور الجديد في القريب العاجل. وأضاف أن هناك أشخاصاً ليسوا معنيين بالإصلاح السياسي، بل يريدون السلطة والثروة وليس الدستور. وقال أمين مؤتمر الشعب العام (البرلمان) محمد الزوي إن مسودة الدستور جاهزة وستدرس قريباً. ولم يوضح المسؤولان أي أنواع النظم السياسية سيتبناها الدستور وما إذا كان القذافي سيشارك فيه أم لا. ولم يتضح على أي نحو سيكون النظام الجديد المقترح مختلفاً عن النظام الذي تتبعه ليبيا حالياً وهو خليط من القواعد الإسلامية والقبلية والاشتراكية. وطُلب منه أن يوضح ما إذا كانت ليبيا ستكون جمهورية رئاسية أو نوعاً آخر من أنظمة الحكم، فقال عضو لجنة صياغة الدستور إبراهيم مخزم إنها ستكون «نسخة ليبية». وأضاف أن «الدساتير ليست مصممة لتتلاءم مع رغبات الأفراد بل لخدمة البلاد وأي مواطن يستطيع أن يجد مكاناً له في هذا الدستور». وأشار إلى أن «معمر القذافي بوصفه مواطناً ليبياً يستطيع أن يجد مكانه في الدستور... الغالبية العظمى من الشعب تريد بقاءه لأنه رمز ولديه كثير من الوظائف والمهمات».