جاء إنجاز الكونغرس الأميركي اتفاق الساعة الأخيرة حول الموازنة والتنازلات التي قبل بها البيت الأبيض منعاً لشلل حكومي كامل، ليرسخ الخط الوسط في التجاذبات بين الحزبين، ودخول الرئيس باراك أوباما في مرحلة الحسابات الانتخابية للولاية الثانية وتبنيه تشريعات في هذا الاتجاه. فبعد 14 أسبوعاً من الأخذ والرد بين القيادتين الديموقراطية في مجلس الشيوخ والجمهورية في مجلس النواب، نجح المشرعون قبل ساعة من نفاذ موعد التمويل الحكومي، في إبرام اتفاق شامل حول الموازنة يقضي بتمديد التمويل ستة أيام ومن ثم التصويت على النص الكامل الخميس المقبل. ووافق مجلس النواب الأميركي على الفور وبعد إعلان الاتفاق، على إجراء تمويل موقت لمدة أسبوع، لتفادي توقف عمل الحكومة الاتحادية، ممهداً الطريق أمام الموافقة على الموازنة هذا الأسبوع لتمويل الحكومة بقية السنة المالية الحالية، مع 37.8 بليون دولار في خفض للإنفاق. ورحّب أوباما بدوره بهذه النتيجة، على رغم «اقتطاعات مؤلمة» في الصرف الحكومي. وقال في خطاب من البيت الأبيض: «كما يحدث في كل تسوية صالحة، اضطر الجانبان إلى اتخاذ قرارات صعبة والتنازل في شأن قضايا مهمة في نظر كل منهما»، لافتاً إلى «تأخر مشاريع ضرورية للبنية التحتية». وتابع: «ما كنت سأقوم بهذه الاقتطاعات في أوقات أفضل». لكن اعتبر أن «العيش بالوسائل التي نملكها هو الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تحمي الاستثمارات التي تؤمن القدرة التنافسية للولايات المتحدة». وعكست معركة الموازنة تقديم الطرفين تنازلات نحو خط الوسط. فالديموقراطيون اضطروا إلى قطع أموال عن برامج حكومية بمعدل تاريخي (ما يقارب 40 بليون دولار)، وفي المقابل تراجع الجمهوريون عن مطالبتهم بقطع التمويل عن خطة الضمان الصحي والإذاعة الوطنية وبرامج اجتماعية تثير حفيظة اليمين المتشدد. وكان بارزاً في خطاب أوباما استحضاره إنجازات له، مثل خفض الضرائب والإنفاق لاستمالة خط الوسط والمستقلين ومع اقتراب بدء الموسم الانتخابي خلال أشهر. وأعطى الاتفاق الرئيس الأميركي منبر الوسيط الذي يسعى إلى مصالحة الحزبين، فيما كان سيعني أي شلل حكومي تداعيات سلبية على الطبقة السياسية في واشنطن وتبعات مهددة للتعافي الاقتصادي. غير أن المعركة التي شهدتها هذه الموازنة، ما هي بحسب المراقبين، إلاّ نموذجاً عما يمكن توقعه في المرحلة المقبلة وفي محاولة الحزبين التعايش تحت قبة «الكابيتول» ومع البيت الأبيض. وأوردت وكالة «فرانس برس»، أن رئيس مجلس النواب الأميركي الجمهوري جون بونر أعلن الاتفاق، معرباً عن سعادته «للتوصل الى اتفاق مع البيت الأبيض سيؤدي إلى خفض النفقات ويسمح لحكومتنا بمواصلة عملها». ووصف زعيم الغالبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ هاري ريد الاتفاق بأنه «تاريخي». ووافق المعارض الرئيس للنص في مجلس الشيوخ زعيم الأقلية ميتش ماكونيل على رأي ريد، لكن رأى أن «المعركة لم تنته بعد بين الحزبين في الكونغرس». وقال: «عندما ننجز هذه العملية في نهاية الأسبوع المقبل سننتقل الى مناقشة أوسع تتعلق بكيفية توفير آلاف البلايين»، في إشارة إلى مستقبل المناقشات حول موازنة عام 2012 التي قدمها أوباما. وأكد ضرورة أن «ترافق رفع سقف الدين الأميركي أكثر من 1400 بليون دولار، إجراءات واضحة لتسوية مشكلة هذا الدين القياسي». وكان إغلاق الأجهزة الإدارية سيفضي الى تعليق 800 ألف وظيفة، والى طرد السياح من أبواب المتاحف والمحميات الطبيعية، ويوقف منح التأشيرات ويؤدي الى إهمال استمارات الضرائب.