يتعامل البعض مع الناس على أنهم لا يعرفون مصلحتهم، وتجد في ثنايا كتابته، عموده، خطبته، وطريقة تعامله معهم ما يوحي بأنه يتحدث بلسان الجميع، وهو حتى لو بدا منافحاً عنهم، وعن مصالحهم التي يفترض، هو في ثنايا ما يفعل، أو بين سطوره، أو خلف كلماته، يقلل من مستوى ذكائك، أو مستوى وعيك بما تحتاجه، تريده، وتتمناه. مثال اقتصادي، تجد الكثيرين عندما يتحدثون عن نسب المقترضين من الناس، يتكلمون عنهم وكأنهم مجموعة من الجهلة الأميين لا يعرفون ما يترتّب على قرارهم بالاقتراض من مؤسسات التمويل، بل حتى بدأ البعض يتحدث عن جهات حكومية مقرضة، وكيف هي ستكرّس هذه المشكلة! هناك مضطرون وفقراء لا ريب، لكن كم نسبتهم؟ والحقيقة التي يلتف عليها الوصي على عقول الناس أن الغالبية اقترضت لتحقيق هدف حسن أو سيئ، لشراء شيء مفيد، أو الاستهلاك الضار، للسفر، أو لشراء سيارة تفوق قدراتهم الحقيقية، وهؤلاء لا يمكن أن ترتكز عليهم قضية الحديث عن «تكبيل» الناس. مثال ثقافي، أو فكري، تجد البعض يتحدث بلسان الجميع مهاجماً تياراً أو اتجاهاً أو مجموعة من البشر لها طريقة تفكير وممارسة حياة أو معتقد مختلفة، ودائماً يكون هو، أو تفكيره هنا هو القاعدة، وأولئك هم الشواذ، هو الصح، وهم الغلط، ويعلو صوته، أو «يدهر» قلمه علينا وكأننا مجرد مجموعة من الناس «يجب» أن تنساق لهذا أو ذاك. اجتماعياً، يتم تعميم «العيب» وغير العيب، «علوم الرجاجيل»، وعلوم «الرخوم»، نمط حياة أو علاقات إنسانية عائلية أو شخصية، وكأن هؤلاء العشرين مليون إنسان يجب أن يعيشوا بطريقة واحدة، وكأنها واجب تفرضه الجغرافيا، أو يرصده التاريخ. الغريب أن بعض الخطابات تأتي وكأنها من «فرط الحب»، بينما هي حقيقة من فرط حب الذات، وفرط انتشار الهوس المرضي بالذات وأفكارها، و«الفوبيا» الدائمة من مجرد التفكير في التغيير، أو من محاولة قبول ونقاش الأفكار الأخرى. هناك جرأة غريبة على التعميم، الإقصاء، وتنصيب الذات قائدة أو رائدة لتفكير هو السليم، وغيره معطوب، أو منقوص، أو يحتاج إلى «الحديث إليه»؟ لماذا الحديث «إليه»، وليس الحديث معه، المناقشة الهادئة المرتكزة على حقائق ومبادئ تتعلّق بالقضية نفسها، وليس «تعليق» الحقائق على مشاجب مختلفة، ثم الادعاء بأنها غير موجودة. الجميل أن الناس غالباً يفاجئون المتصارعين على عقولهم، بأنهم ملّوا من التكرار، ومن استخدامهم حطباً لإنضاج وليمة لا ينوون حضورها فضلاً عن «أكلها». [email protected]